إِلَّا دَعْوَاهُمَا فَقَالَ: "مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ"، فَقَالَ الرَّجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي، فَقَالَ: "لَا، وَلَكِنِ اذْهَبَا، فَاقْتَسِمَا، وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ لْيُحَلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ" وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: "إِنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِرَأْيِي فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيَّ فِيهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 3584].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (إلا دعواهما) استثناء منقطع، أو هو من باب التعليق بالمُحَالِ، أي: لا بينة إلا الدعوى، والدعوى ليست ببينة فلا بينة قطعًا.
وقوله: (كل واحد) بدل من الرجلان.
وقوله: (وتوخيا) أي: اعدلا في القسمة واقصدا الحق فيها، أمر من التوخي التفعُّل من الوخي، وهو السير القصد لا بطيئًا ولا سريعًا، ويجيء بمعنى القصد، يقال: وخَيْتُ وَخْيَكَ، أي: قصدتُ قصدَكَ، كذا في (الصحاح) (?)، وفي (النهاية) (?): توخَّيتُ الشيءَ أتوخَّاه: إذا قصدتَ إليه وتعمَّدتَ فعلَه وتحرَّيتَ فِيه، وقيل: أمرهما بالتحري في معرفة مقدار الحق، ولما كان التوخي والتحري من باب الظن أمرهما بالاستهام، أي: الاقتراع ليكون كالبينة، والقرعة بحكم الشرع أقوى من التحري كأنها يفيد اليقين، وقد ورد أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال حين أقرع عند تنازع رجلين: (اللهم أنت الحكَمُ بينهما)، وفي رواية قال: (اللهم أنت تقضي بين عبادك بالحق)، ثم أمر بالتحليل لتحصل البراءة يقينًا.