فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- ولَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامٍ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنعُ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ، فوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي، فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (ولا تشك قريش) أي: لا تظن (إلا أنه واقف) وقال الطيبي (?): تقديره: لا تشك قريش في أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يخالفهم في سائر المناسك إلا في الوقوف في المشعر الحرام، فتأمل، و (المشعر الحرام) اسم لجبل بمزدلفة يقال له: قُزَح.
وقوله: (كما كانت قريش تصنع في الجاهلية) فإنهم كانوا يقفون بمزدلفة، ويسمونه موقف الحمس وأهل حرم اللَّه، بخلاف سائر العرب؛ فإنهم كانوا يقفون بعرفات، فظنت قريش أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقف في المشعر الحرام على عادتهم.
وقوله: (فأجاز) أي: تجاوز من المزدلفة إلى عرفات؛ لقوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]، (حتى أتى عرفة) وهي بفتح الراء، يجيء مفردًا بمعنى المكان والزمان، وعرفات بلفظ الجمع مخصوص بالمكان.
وقوله: (فرحلت له) بلفظ المجهول، أي: شدَّ على ظهرها الرجل ليركبها.
وقوله: (كحرمة يومكم هذا. . . إلخ)، تأكيد للحرمة فإنهم كانوا قائلين بحرمتها.
وقوله: (تحت قدمي) بلفظ التثنية، وقوله: (موضوع) يحتمل أن يكونا خبرين،