الْمُحْصِي، الْمُبْدِئُ، الْمُعِيدُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يا رحيم يا ودود.
وقوله: (المحصي) هو العالم، لكن إذا أضيف العلم إلى المعلومات من حيث يحصيها ويعدّها ويحيط بها يسمى إحصاء، والمحصي المطلق هو الذي ينكشف في علمه حدُّ كل معلوم وعدده ومبلغه، والعبد وإن أمكنه أن يحصي بعلمه بعض المعلومات فإنه يعجز عن إحصاء أكثرها، قال اللَّه تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]، فالمحصي المطلق هو اللَّه، وتخلُّق العبد به على قدره كما في أصل صفة العلم، ومن جملة التخلق به: أن يحصي العبد من أعمال نفسه قبل أن يحصى، ويحاسب قبل أن يحاسب ويجازى.
وقد يعتبر الإحصاء بالنسبة إلى صفة القدرة في المقدورات فهو القادر الذي لا يشذّ عن قدرته شيء من المقدورات.
اللهم يا من يحيط علمه وقدرته بكل معلوم ومقدور، لا تُحصِ علينا أعمالنا، ولا تحاسبها فإنك من حاسبته فقد عذبت، فاعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا، إنك أرحم الراحمين وخير الغافرين.
وقوله: (المبدئ، المعيد) الإبداء: الإيجاد والإنشاء ابتداء، والإعادة خلق شيء بعد ما عدم، واللَّه تعالى قادر على إعادة المحدثات إذا عُدمت جواهرها وأعراضها، هذا هو المشهور، وتحقيقه مذكور في الكتب الكلامية، وللإمام الغزالي في حقيقة البعث والنشور كلام يلوح منه أن الإعادة خَلْقُ مثله لا إعادة عينه، وقال: الإيجاد إذا لم يكن مسبوقًا بمثله سمي إبداء، وإذا كان مسبوقًا بمثله سمي إعادة، وقال: إن حقيقة الإنسان هو الروح وهو باق، وله نشاءات وأطوار من التراب والنطفة إلى ما شاء اللَّه، والبعث والإعادة من تلك النشاءات، فبعد مفارقته عن البدن يخلق له بدنٌ يتعلق به،