فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْحِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآن، قَالَ: قُلْتُ: كَيفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَال، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (فواللَّه) قول زيد بن ثابت.
وقوله: (لو كلفوني) أي: الناس، ولم يسنده إلى أبي بكر -رضي اللَّه عنه- تأدّبًا وصونًا له عن الأمر بالمحال، ولو فرضًا وتقديرًا.
وقوله: (العسب) بضمتين جمع عسيب بالمهملة، وهو جريدة النخل أو ورقه، وأكثر ما يقال إذا يبست، وإذا كانت رطبة فَشَطْبَةٌ، وقال السيوطي: كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض، (واللخاف) بالكسر جمع لخفة بالفتح: حجارة بيض رقاق، وفي رواية: والرقاع، وفي أخرى: وقطع الأديم، وفي أخرى: والأكتاف، وفي أخرى: والأضلاع، وفي أخرى: والأقتاب، والرقاع جمع رقعة، وقد يكون من جلد أو ورق أو كاغد، والأكتاف جمع كتف: وهو العظم الذي للبعير أو الشاة، كانوا إذا جف كتبوا عليه، والأقتاب جمع قتب، وهو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وقوله: (وصدور الرجال) هذا هو الأصل والمعتمد، ووجدانه من العسب واللِّخاف وغيرها تقرير على تقرير، والمراد بقوله: (لم أجدها مع أحد غيره) يعني