فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". قَالَ: . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

أحدهما: لمن بلغ غاية مرتبته بحيث كان يرى معبوده ويعاينه سبحانه، وهو مقام المشاهدة، وتلزمه غاية الهيبة والتعظيم والإجلال، والخضوع والخشوع، والحياء والمحبة، والانجذاب والشوق والذوق، والاجتماع بظاهره وباطنه.

وثانيهما: لمن لم ينته إلى تلك الحالة لكن يغلب عليه أن الحق سبحانه مطلع عليه ورقيب على أحواله، وقد نبّه عليه بقوله: (فإن لم تكن تراه فإنه يراك)؛ يعني: إن لم يكن في حضورك بحيث كأنك تراه فَلَاحِظْ رؤيته سبحانه واطلاعه عليك، وهذا حال المراقبة، وهو في اصطلاحهم: ملاحظة العبد نظر اللَّه سبحانه إليه واطلاعه على أحواله الظاهرة والباطنة، وهذا أيضًا يورث الخوف والخشية، والاجتماع في الحركات والسكنات، وضبط الأفعال، ورعاية الأدب في جميع الحالات، وعدم الالتفات يمينًا وشمالًا، كمن قام في حضرة سلطان جبار قهار يراقب أحواله ويشاهد أعماله، يضيق عليه مجال الغفلة وسوء الأدب، لكن المقام الأول أعلى وأرفع، وهو مقام سيّد المرسلين وأكمل العابدين، حيث أشار إليه بقوله: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).

وبما قررنا الكلام سقط قول من قال: ينبغي أن يكون الجواب قد انتهى عند قوله: (تراه) الأول وما بعده مستأنف؛ لأن الأول مقدور للعبد؛ لجواز أن يوجد ولا يوجد، والثاني واقع لا محالة لا مدخل لاختيار العبد فيه، فإنه تعالى يرى الكائنات كلها دائمًا، فلا نصيب للعبد في ذلك؛ لأن المطلوب استحضار العبد أنه بين يدي الحق وملاحظته ومراقبته إياه، وهذا مقدور للعبد ومكمل لعبادته، فهو من تتمة الجواب.

ثم اعلم أنه قد لاح على باطن بعض العارفين من الصوفية أنه قد وقف على (تراه) الثانية بإرادة معنى: أنك إذا فنيت عن نفسك فلم تكن شيئًا ولم تر نفسك؛ شاهدت ربك؛ لأنها الحجاب بينك وبين شهود الرب تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015