إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ فَإِذَا هُوَ بِرَكْبٍ تَحْتَ ظِلِّ سَمُرَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ مَنْ هَؤُلَاءِ الرَّكْبُ؟ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ صُهَيْبٌ. قَالَ: فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ادْعُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى صُهَيْبٍ فَقُلْتُ: ارْتَحِلْ فَالْحَقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَمَّا أَنْ أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يَقُول: وَاأَخَاهُ وَاصَاحِبَاهُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا صُهَيْبُ أَتَبْكِي عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ؟ " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِك لعَائِشَة فَقَالَت: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، لَا وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- أَنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ: إِنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَسْبُكُمُ الْقُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من المدينة، وهو بمعنى الفلاة.
وقوله: (فأخبرته) أي: أخبرت عمر بأنه صهيب، فقال عمر: ادعه.
وقوله: (ببعض بكاء أهله) أي: ما كان منه بالندبة والتفجع، أو هو مظنة التعذيب إن شاء اللَّه تعالى.
وقوله: (ما حدث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-) أي: على إرادة العموم والإطلاق، كما فهم عمر؛ لأن الحديث صحيح، وقد ذكرنا في الفصل الأول أن إنكار عائشة إنما هو على تأويل الحديث لا على نفسه.
وقوله: (يزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه)، إما بمعنى أن عذابه مقارن وملابس ببكاء أهله، أو لأنه كان يرضى، أو يأمر ويوصي به، وذلك فعله، فلا يعذب بفعل غيره، بل بفعل نفسه، بخلاف المؤمن فإنه لا يرضى بالمعصية أصلًا ولا يأمر به.
وقولها: (حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}) [الأنعام: 164]، عام في