ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ! فَقَالَ: "يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ" ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ: "إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ، وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضِى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 303، م: 2315].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (ثم دخلنا) أي: مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله: (يجود بنفسه) جاد بنفسه: قَارَبَ أَنْ يَقْضِيَ، من الجود، كأنه يجود بها كما يجود بماله، وفي هذا التعبير إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن لا يضيق فزعًا عند الموت؛ لأن الحياة عارية.
وقوله: (تذرفان) ذرفت العين: سال دمعها، وذرف الدمع: سال، من باب ضرب.
وقوله: (وأنت يا رسول اللَّه) تعجب واستبعاد لصدوره -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لدلالته في الظاهر على الضعف وعدم تحمل المصيبة، والواو للعطف على محذوف، أي: الناس يبكون وأنت تبكي مثلهم.
وقوله: (إنها رحمة) أي: هذا الدمع أثر رحمة ورأفة على المقبوض بمشاهدة حالته التي ابتلي بها من شدة الأمر وضعف البنية، لا من الجزع كما توهمت.
وقوله: (ثم أتبعها بأخرى) أي: أتبع الدمعة بدمعة أخرى، أو الكلمة بكلمة أخرى، ويلائمه قوله: (فقال: إن العين تدمع، والقلب يحزن) من باب سمع لازم، ومن نصر متعد، أي: أنها جبلة للمؤمن الرقيق القلب، ورحمة من اللَّه أودعت فيه (?).