و {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46]. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّعْوَاتِ الْكَبِيرِ". [مسند الشافعي: 1/ 81، الدعوات الكبير: 369].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المجازي بأن توصف الرياح بصفة ما هي أسباب له، أو المجازي اللغوي باعتبار السببية؛ لأن لقح الرياح سبب لإلقاحها، أو باعتبار ما كان، فإن الملقح كان أولًا لاقحًا، أو من باب النسبة؛ كلابن وتامر، أو على حذف الزوائد، نحو أثقل فهو ثاقل، كذا قيل.
وقوله: ({أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}) أولى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ}، وإذا عرفت هذا فاعلم أنه قد اشتهر أن الريح بلفظ الواحد يستعمل في العذاب، والرياح بلفظ الجمع في الرحمة كما وقع في كتاب اللَّه تعالى من الآيات المذكورة، وحمل الدعاء الذي ورد في هذا الحديث الذي جاء عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا) على ذلك، ووجَّهه الخطابي بأن الرياح إذا كثرت جلبت السحاب وكثرت الأمطار، فتركت الزروع والأشجار، وإذا لم تكثر وكانت ريحًا واحدة فإنها تكون عقيمة، والعرب تقول: لا تَلْقَحُ السحابُ إلا من رياح، وأنكر ذلك أبو جعفر الطحاوي مستشهدًا بقوله تعالى: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ}، وبما جاء في بعض الأحاديث من استعمال المفرد في الخير والشر معا، كحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: (الريح من روح اللَّه تأتي بالرحمة وبالعذاب) الحديث، وحديث أبي بن كعب: (اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها)، وكحديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به)، وكحديث ابن عباس: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور)، ثم حكم بضعف هذا الحديث الذي جاء من ابن عباس، وقال: لا أصل له في السنن الثابتة، ثم قال أبو جعفر: ففي هذه الآية والأحاديث بيان واضح أن الريح قد تأتي بالرحمة، ومثل هذه الأحاديث مع صحتها