عليه كثير من شراح كتب السنن الذين جاءوا من بعده، سواء في شرح هذا الكتاب كالشيخ ملا علي القاري الهروي ثم المكي (ت: 1014 هـ) أو غيره من دواوين السنة، كصاحب (عون المعبود)، وصاحب (تحفة الأحوذي)، بل أفاد منه الحافظ ابن حجر في شرح البخاري، وهو الذي وصف مؤلفه في ترجمته من الدرر الكامنة، بأنه كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنة، كريمًا متواضعًا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة والمبتدعة، مظهرًا فضائحهم مع استيلائهم في بلاد المسلمين حينئذ.
ومن شروح المشكاة هذا الذي بين أيدينا، للشيخ عبد الحق الدهلوي السالف الذكر، سماه لمعات التنقيح، وكان قبل ذلك في أثناء اشتغاله بكتاب المشكاة وضع عليه تعاليق باللغة الفارسية، حتى تم له منها شرح كامل في أربعة أسفار سماه (أشعة اللمعات)، انتخب منه الشيخ محمد قلي الدهلوي (ت: 1073 هـ) زبدة فوائده ونوادره، وأودعها في كتابه (سراج المشكاة)، ولخصه الشيخ أمين الدين بن غياث الدين محمود العمري الحنفي الجونبوري، في كتابه (المقتنيات).
ثم سنحت له سانحة أن يصنع صنيعًا شبيهًا بسالفه، يكون بالعربية، فبلغه اللَّه مأموله، وفتح له فيه من التحقيقات والتدقيقات العلمية، فوق ما فتح له في صنوه الفارسي، وهو أكبر كتبه وأحظاها عنده؛ قال عنه في دفتر مصنفاته المسمى (تأليف القلب الأليف بكتابة فهرست التواليف): وقد جاء -بتوفيق اللَّه وتأييده- كتابًا حافلًا شاملًا مفيدًا نافعًا، في شرح الأحاديث النبوية، على مُصدِرها الصلاةُ والتحية، مشتملة على تحقيقات مفيدة، وتدقيقات بديعة، وفوائد شريفة، ونِكات لطيفة.
وقد اعتنى أهل الهند بالشرح الفارسي أيما اعتناء، لكونه أخصر وأسهل عبارة وأقرب تناولًا، ولما ظهرت الطباعة طبعوه مرارًا. وأما الشرح العربي فلم يبلغ في الانتشار مبلغ صنوه، بل بقي تداوله مقتصرًا على ذوي الهمم في البحث والولوع باقتناء