لقد توعد الله عز وجل من أعرض عن ذكره فقال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] فليبشر تارك الصلاة بمحاربة الله إياه، بتنغيص عيشه، وتكدير قلبه، وتشتيت همه، وتفريق شمله، وحضور فقره، وفساد أحواله، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.
قد يقول قائل: نحن نرى تارك الصلاة غادياً رائحاً لا يحس بعظم وزره وشناعة فعله، ولا يشعر بعقوبة الله تعالى إياه، ولا يشعر بأنه مبتلى بهذه المصيبة، فما سبب ذلك؟! السبب هو ما قاله الشاعر: ما لجرح بميت إيلام الميت إذا وخزته بسكين هل يتألم؟! إذاً: السبب أنه فقد الإحساس بالمصيبة، فهو في مصيبة ومع ذلك لا يحس؛ لأن الإحساس من نعم الله سبحانه وتعالى للعبد، بل الإحساس في البدن يحميك من الأخطار، فلو أمسكت شيئاً فجأة وكان هذا الشيء حاراً جداً، ففي الحال هذا الإحساس بالحرارة يجعلك تبعد يديك فوراً عنه، وإذا لمست مسماراً فبسرعة تحاول أن تهرب منه، حتى لا يتوغل في جلدك مثلاً، وهكذا؛ لذلك مريض السرطان الذي يهمل علاجه يفقد إحساسه مع الوقت، فبالتالي يسهل جداً إدخال زجاجة أو مسمار في جسمه دون إحساس، ويتطور الأمر في النهاية إلى أن يحصل له بتر في الساق؛ والسبب أنه لا يوجد لديه إحساس.
فإذاً: الشخص الذي ليس عنده إحساس بالمصيبة تتراكم وتتكاثر عليه الذنوب إلى أن تهلكه وهو لا يشعر، فالإحساس في القلب مهم جداً، ولذلك أعطانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا المقياس فقال: (إذا سرتك حسنتك، وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن) يعني: إذا كان في قلبك الإحساس فأنت بخير، أما من كان بخلاف ذلك ممن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فكيف سيتوب وهو يرى أن عمله سيقربه إلى الله؟! ولذلك فإن المبتدع أسوأ حالاً من العاصي المرتكب للكبائر؛ لأن العاصي إذا فعل شيئاً من المحرمات فإنه يعتقد أن هذا حرام، والهوى غلبه، والشيطان صور له المعصية وزينها، لكن المبتدع هل يرجى له توبة؟ لا يرجى له توبة إلا أن يشاء الله؛ لأنه زين له سوء عمله، ويرى عمله المبتدع حسناً يقربه إلى الله، فلذلك لا يتوب.
الشاهد من الكلام: أن عقوبات الله سبحانه وتعالى تتنوع وتتلون، وبعضها أخطر من بعض، فهناك عقوبات كونية قدرية كالزلازل والخسف والصواعق وغير ذلك، وهناك عقوبات شرعية إرادية كقطع يد السارق وجلد الزاني ورجمه إلى آخره.