إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم).
من فوائد هذا الحديث: أن وصف الكفر يرتفع عن البلاد أو الدولة أو الدار بظهور شعائر الإسلام وأحكامه، وفي مقدمة هذه الأحكام إقامة الصلاة، كما أن الصلاة تثبت الهوية الإسلامية للشخص على مستوى الأفراد، ويرتفع حكم الكفر عن الشخص بإقامته الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذاكم المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تخفروا الله في ذمته).
وهذا نهي عن أن يتعرض لمسلم يصلي صلاتنا ويستقبل قبلتنا ويتلبس بهذه الشعائر الإسلامية، فبالتلبس بهذه الشعائر يرتفع وصف الكفر عن الفرد، فإذا رأيت رجلاً نصرانياً مثلاً أو يهودياً يصلي فهذه علامة واضحة على أنه قد دخل في دين الإسلام، وأنه صار من أهل الإسلام، باعتبار أن الصلاة أبرز وأخطر وأهم شعائر الإسلام الظاهرة، فهي التي تثبت الهوية الإسلامية للدار، فإذا لم يسمع الأذان في بلد ولم توجد فيه المساجد، فهذا دليل على أن هذه الدار دار كفر، وإذا سمع الأذان ووجدت المساجد حتى غدت مظهراً من مظاهر الدار فهي دار إسلام، وسبق أن ناقشنا ذلك بالتفصيل عند دراستنا لكتاب (الغلو في الدين)، وقلنا: إن الأرجح والأقرب أن العامل الأساسي الذي تصنف الدار على أساسه هو إقامة الصلاة، لهذه الأحاديث التي ذكرناها، وإذا قلنا: إذا وجدت المساجد صارت دار الإسلام، وإذا رفع الأذان صارت دار إسلام، فليس معنى هذا مجرد وجود المساجد، لكن المقصود أن يصبح الأذان والصلاة من الشعائر الظاهرة في المجتمع، وهذه مسألة نسبية، فقد توجد قرية صغيرة في صحراء أو في أي منطقة ريفية، وعدد السكان فيها قليل جداً فيوجد فيها مسجد واحد فقط أو مسجدان، فيحكم عليها بأنها دار إسلام، لكن مدينة كبيرة مثل: نيويورك أو غيرها من المدن الضخمة جداً، فيوجد مثلاً في نيويورك حوالى سبعين مسجداً، لكن بالنسبة لحجم المدينة وضخامتها، لا يرفع الأذان، وليس وجود المساجد مظهراً وسمة عامة تصبغ المجتمع بصبغة الإسلام بأذان وإقامة الصلاة، فبالتالي لا يكفي أن نحكم بأنها دار إسلام مع وجود هذا العدد الكبير من المساجد، بل تبقى دار كفر؛ لأن الصلاة والمساجد والأذان ليست من الشعائر الظاهرة التي تصبغ هذا المجتمع بهذه الشعائر، والدليل على هذا حديث أنس رضي الله تعالى عنه السابق: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنا قوماً لم يكن يغزو بنا حتى يصبح وينظر، فإن سمع أذاناً كف عنهم).
لأن هذا يدل على أنهم مسلمون، وأن هذه بلاد إسلام، قال: (وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم).
وروي عن عصام المزني رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث السرية يقول: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم منادياً؛ فلا تقتلوا أحداً).
إذاً: من خصائص الصلاة ومناقب الصلاة: أن الصلاة شعار دار الإسلام.