إن ترك الصلاة سبب الغرق في الشهوات، فهناك تلازم وارتباط وثيق بين إضاعة الصلاة وبين الغرق في الشهوات والتلوث بالخطيئات؛ لأن من ضيع الصلاة لابد أن يقع في الشهوات، ومن حافظ على الصلاة حفظته الصلاة من الشهوات.
أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم أضاعوا الصلاة بعد أن كان آباؤهم مهديين متمسكين بها محافظين عليها متقربين إلى الله بها، يقول عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم:59].
قوله: (خَلْفٌ) أي: في الشر، والأصل أن الخلف في الخير كقول من يقول: خير خلف لخير سلف، وشر خلف لشر سلف، لكن هؤلاء كانوا شر خلف لخير سلف، فآباؤهم كانوا صالحين، قال الله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59] يعني: من يضيع الصلاة لا بد أن يسقط صريعاً للشهوات.
{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم:59 - 60].
فمن عقوبة السيئة السيئة بعدها، ومن ضيع الصلاة وهانت عليه فلابد أن يهون عليه ما عداها من حدود الله، من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع، ومن حافظ عليها فهو لما سواها أحفظ.
يقول الإمام البيهقي رحمه الله تعالى: فذكر الأنبياء والمتقدمين ومدحهم في آخر سورة مريم؛ لأنهم كانوا {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم:58]، ثم ذكر من خالف مذهبهم، فذمهم فقال: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59].
ثم أخبر بما يؤديهم ذلك إليه من سوء العاقبة فقال: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59] يعني -والله أعلم- لا يرشد أمرهم مع إضاعة الصلاة، ولكنهم لا يزالون يقعون في فساد بعد فساد، كمن يضل الطريق فلا يزال يقع في مهلكة بعد مهلكة، إلى أن ينقطع فيهلك، فدل ذلك على عظم قدر الصلاة، وجلال موقعها من العبادات.
ومن ثمرات الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر كما قال الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، والفحشاء والمنكر ينهيان عن الصلاة، فهناك تلازم بين ترك الصلاة وبين اتباع الشهوات، وفي طليعة الفحشاء والمنكر يأتي الخمر والقمار اللذان يستعبدان الإنسان لرغائبه وشهواته، وينهيانه عن الصلاة، يقول تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91].
فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والفحشاء والمنكر ينهيان عن الصلاة.
إذاً: الخمر والميسر مما يصدان الإنسان عن الصلاة، فشارب الخمر يذهب عقله الذي ميزه الله به عن الحيوانات، فالعقل نعمة وهو يتعاطى ما يذهب به عقله، فيتصرف كالحيوان البهيم، يتجرد من ملابسه، ويتمرغ في الوحل والطين، ويهذي بألفاظ قبيحة ونحو ذلك، استوى مع البهائم بإرادته بتعاطي ما يزيل عقله! فأين السكران من الصلاة؟ كذلك يتعاطى الميسر له سلطان رهيب جداً على من يقعون في أسره، بحيث يضيعون الصلاة اشتغالاً بالميسر، فلذلك كان الميسر مما يصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
إذاً: الفحشاء والمنكر تنهيان عن الصلاة، ولأجل ذلك عظمت مصيبة تارك الصلاة بسبب السكر، وتضاعفت عقوبته، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها) أي: فمصيبته مثل مصيبة شخص كان يملك كل الدنيا وما عليها ثم سلب هذه النعمة، ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (ومن ترك الصلاة سكراً أربع مرات كان حقاً على الله عز وجل أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟! قال: عصارة أهل جهنم).
وهذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أهل جهنم يسيل منهم الصديد والقيح والدم وهذه الأشياء، فعصارة أهل جهنم هي طينة الخبال التي يسقاها من ترك الصلاة بسبب السكر وبسبب الخمر أربع مرات.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافينا وسائر المسلمين من كل بلاء، وأن يجعلنا من مقيمي الصلاة وأهلها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.