هذا النصراني الأمريكي تومس كليتون الذي نفر بفطرته من العقيدة النصرانية ففر إلى الحنيفية السمحة، يحكي فطرة إسلامه تحت عنوان (تجربة نيرة) يقول: كانت الشمس قد مالت عن الزوال، وبينما نحن نمشي عبر الطريق الحار المغبر سمعنا غناءً رتيباً عذباً غريباً يملأ الجو من حولنا، ولما دخلنا وسط مجموعة من الشجر وقعت أبصارنا على مشهد غريب عجيب لم تصدقه عيوننا، رأينا رجلاً عربياً أعمى يرتدي ملابس بيضاء نقية، وعلى رأسه عمامة بيضاء، وكان الرجل واقفاً على برج خشبي عال يكاد يقرع السماء بترميمه الساحر، فجلسنا دون أن نشعر بذلك، وقد أخذنا بإيقاعه الغريب وكأنه يصدر عن شبح، لم نكن نفهم الكلمات التي كان يرددها، ولكن لسحرها انساب إلى آذاننا وقلوبنا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
وقبل أن نتم القصة أقول: نشرت إحدى المجلات عن عميد الأطباء النفسانيين في ألمانيا، أن هذا الرجل كان يعالج مرضاه بإسماعهم الأغاني، والعجيب أنه كان يسجل لهم الأذان ويعتبره نشيداً، وكان لا يعرف أن هذا الأذان خاص بالصلاة عند المسلمين، لكن كان يلاحظ أن هذا النشيد إذا أسمعه للمرضى النفسيين فإنهم يتحسنون جداً، فكان يعالج مرضاه بإسماعهم الأذان، دون أن يعرف أنه النداء الإسلامي باللغة العربية لأداء الصلاة! إن الأذان نعمة بينما هناك بعض السفهاء يشتكون من صوت المؤذن، ويزعمون أنه يزعجهم، فهؤلاء لا يعرفون نعمة الأذان، وأي رجل عاش في بلاد الكفار يحس ما معنى الأذان! وما هي قيمة الأذان! وذلك بسبب أن الأذان في بلاد الإسلام يكرر خمس مرات في اليوم والليلة، وتتجاوب به الآفاق بنداء الحق في أرجاء المدن والقرى، وهذه نعمة لا يمكن التعبير عنها وعن جمالها، ولا يحس بها إلا إذا حرمها الإنسان.
لما اكتشف عميد الأطباء النفسيين في ألمانيا هذه الحقيقة قال: إن كلمات الأذان التي تدعو المسلمين إلى الصلاة تدخل السكينة إلى قلب المريض النفسي، حتى لو لم يكن يفهم معانيها، وأضاف أن الأذان يزرع النور والأمل في قلب المصابين بالاكتئاب أو فقدان الثقة بالنفس أو كراهية الحياة أو الشعور بالفشل.
يقول تومس كليتون: قبل ذلك لم نكن نشعر بأي شيء يجري حولنا، أما الآن فقد بدأنا نرى أعداداً كبيرة من الناس يتجمعون، إنهم أناس من مختلف الأعمار يرتدون ألواناً شتى من الملابس، ويمثلون كافة قطاعات الحياة، لقد أخذوا يقتربون من المكان بانكسار ينم عن خشوع، يفرشون الحصرة الطويلة على الأرض، لقد كان مشهداً ممتعاً حقاً، يجمع تناقض الألوان، وخضرة الأعشاب، واصفرار الحصر، وظلت جموع الناس تأتي إلى المكان، حتى بدأنا نعجب: هل يا ترى سيتم التئام الجمع المحتشد؟ ثم يقول: كان الناس يخلعون نعالهم وينتظمون في صفوف طويلة، الواحد منها وراء الآخر، وقد أثار دهشتنا ونحن نرقبهم في صمت، أنه لا توجد فوارق من أي نوع بين أفراد هذا الاجتماع، فلقد كان البيض والصفر والسود إلى جانب الفقراء والأغنياء والشحاذين والتجار يقفون جنباً إلى جنب، دون أدنى التفات إلى العنصر أو المكانة الاجتماعية في الحياة.
روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مملوكك يكفيك، فإذا صلى فهو أخوك)، وهو حديث فيه ضعف، ومعنى قوله: (مملوكك يكفيك) يعني: المملوك يخدمك ويقضي حاجاتك، فهذه تستوجب له عليك حقاً أنه يقوم بأداء الخدمة لك.
وقوله: (فإذا صلى فهو أخوك) يعني: إذا صلى فإنه أخوك في الدين، فينبغي عليك إكرامه.
ثم يقول: ولم يحدث أن رجلاً واحداً من ذلك الجمع الحاشد رفع ناظريه بعيداً عن الحصير المفروش أمامه مباشرة، إن روح الأخوة التي تجلت في ذلك الجمع المتباين من الناس قد تركت انطباعاً لا يمكن أن يمحى من نفسي ما حييت.