إن المحافظة على الصلاة بقالبها وروحها والإكثار من النوافل لها تأثير لا يعرف لغيرها في صفاء القلب وزكاء النفس وطهارة الوجدان، وسمو الروح، والاتصال بعالم القدس.
فالصلاة تؤهل النفس لتلقي التجليات الأخروية، واستقبال النفحات الإلهية، لاسيما رؤية الله تعالى في الآخرة، وقد ربط صلى الله عليه وسلم بين رؤية الرب تبارك وتعالى وبين الصلاة، فعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الفجر وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39]).
متفق عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر) المشبه رؤية الله في الآخرة، والمشبه به رؤية القمر في ليلة صافية لا سحاب فيها، ووجه الشبه الصفاء والوضوح.
قوله: (لا تضامون في رؤيته) يعني: إما لا يصيب أحد منكم الضيم وهو الظلم، بحيث لا يحرم من الرؤية، بل كل المؤمنين سيستوون في هذه الرؤية؛ لأنها واضحة مثل رؤية القمر في السماء دون سحاب ليلة البدر، فهو في غاية الوضوح، المعنى: لا ينضم بعضكم إلى بعض حتى يؤيد ما يشهده وما يراه بشهادة غيره له، فعلى كلا المعنيين فهنا تشبيه الرؤية بالرؤية، يعني: شبهت رؤية المؤمنين ربهم برؤيتهم القمر في الدنيا، وضرب لنا هذا المثل لأجل الوضوح، فمن ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم سترون ربكم).
إذاً: من أراد أن يحظى برؤية الله في الآخرة فليحافظ على الصلاة لقوله: (فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا، ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39]).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً) رواه مسلم.
الشاهد هنا: أن هذا يحدث في يوم الجمعة، فهم يجتمعون في وقت صلاة الجمعة، ويوم الجمعة عند أهل الجنة اسمه: يوم المزيد، وقد روي في بعض الأحاديث: (أن الله سبحانه وتعالى يتجلى لهم في يوم المزيد ويحاضر كل منهم محاضرة).
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.