تعرضوا لذكر الدولة نسقوا أَخْبَارهَا نسقا محافظين على نقلهَا وهما أَو صدقا لَا يتعرضون لبدايتها وَلَا يذكرُونَ السَّبَب الَّذِي رفع من رايتها وَأظْهر من آيتها وَلَا عِلّة الْوُقُوف عِنْد غايتها فَيبقى النَّاظر متطلعا بعد إِلَى افتقاد أَحْوَال مبادئ الدول ومراتبها مفتشا عَن أَسبَاب تزاحمها أَو تعاقبها باحثا عَن الْمقنع فِي تباينها أَو تناسبها حسب مَا ذكر ابْن خلدون فِي مُقَدّمَة تَارِيخه
ثمَّ جَاءَ آخَرُونَ بإفراط الِاخْتِصَار وذهبوا إِلَى الِاكْتِفَاء بأسماء الْمُلُوك والاقتصار مَقْطُوعَة عَن الْأَنْسَاب وَالْأَخْبَار مَوْضُوعَة عَلَيْهَا أعداد أيامهم بحروف الْغُبَار كَمَا فعله ابْن رَشِيق فِي ميزَان الْعَمَل وَمن اقتفى هَذَا الْأَثر من المهمل وَلَيْسَ يعْتَبر لهَؤُلَاء مقَال وَلَا يعد لَهُم ثُبُوت وَلَا انْتِقَال لما أذهبوا من الْفَوَائِد وأخلوا بالمذاهب الْمَعْرُوفَة للمؤرخين والعوائد
وَمن أحسن مَا ألف فِي فن التَّارِيخ وَأجْمع مَا جمع فِيهِ تَحْقِيقا وإتقانا فِي كتب الْقَوْم بعد سبر أغور الأمس وَالْيَوْم كتاب العبر وديوان الْمُبْتَدَأ الْخَبَر فِي أَيَّام الْعَرَب والعجم والبربر وَمن عاصرهم من ذَوي السُّلْطَان الْأَكْبَر لقَاضِي الْقُضَاة فَإِنَّهُ أنشأ فِي التَّارِيخ كتابا وَرفع بِهِ عَن أَحْوَال الناشئة من الأجيال حِجَابا وفصله فِي الْأَخْبَار وَالِاعْتِبَار بَابا بَابا وَأبْدى فِيهِ لأولوية الدول والعمران عللا وأسبابا وبناه على أَخْبَار الْأُمَم الَّذين عمروا الْمغرب فِي تِلْكَ الْآثَار وملأوا أكناف النواحي مِنْهُ والأمصار وَمَا كَانَ لَهُم من الدول الطوَال والقصار وَمن سلف من الْمُلُوك وَالْأَنْصَار سلك فِي ترتيبه وتبويبه مسلكا غَرِيبا واخترعه من بَين المناحي مذهبا عجيبا وَشرح فِيهِ من أَحْوَال الْعمرَان والتمدن وَمَا يعرض فِي الِاجْتِمَاع الإنساني من الْعَوَارِض الذاتية مَا يمتعك بعلل الكوائن وأسبابها ويعرفك كَيفَ دخل أهل الدول من أَبْوَابهَا حَتَّى تنْزع من التَّقْلِيد يدك وتقف على أَحْوَال من قبلك من الْأَيَّام والأجيال وَمَا بعْدك ثمَّ من أحسن التواريخ المختصرة كتاب الْمُخْتَصر فِي أَحْوَال الْبشر لأبي الفدا إِسْمَاعِيل صَاحب حماة الْملك الْمُؤَيد وَكتاب المواعظ وَالِاعْتِبَار فِي بَيَان الخطط والْآثَار للمقريزي رَحمَه الله وَقد طالعناها على هَذِه الْمقَالة وأضفنا إِلَيْهَا أَشْيَاء وَالله يهدي إِلَيْهِ من يَشَاء