وَقد دون النَّاس فِي الْأَخْبَار وَأَكْثرُوا وجمعوا تواريخ الْأُمَم والدول فِي الْعَالم وسطروا وَالَّذين ذَهَبُوا بِفضل الشُّهْرَة وَالْأَمَانَة الْمُعْتَبرَة واستفرغوا دواوين من قبلهم فِي صُحُفهمْ الْمُتَأَخِّرَة هم قَلِيلُونَ لَا يكادون يجاوزون عدد الأنامل وَلَا حركات العوامل مثل ابْن اسحق والطبري وَابْن الْكَلْبِيّ وَمُحَمّد بن عمر الْوَاقِدِيّ وَسيف بن عمر الْأَسدي والمسعودي وَغَيرهم من الْمَشَاهِير المتميزين عَن الجماهير وَإِن كَانَ فِي كتب المَسْعُودِيّ والواقدي من المطعن والمغمز مَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد الْإِثْبَات ومشهور بَين الْحفظَة والثقات إِلَّا أَن الكافة اختصتهم بِقبُول أخبارهم واقتفاء سُنَنهمْ فِي التصنيف وَاتِّبَاع آثَارهم والناقد الْبَصِير قسطاس نَفسه فِي تزييفهم فِيمَا ينقلون أَو اعتبارهم فللعمران طبائع فِي أحوله ترجع إِلَيْهِ الْأَخْبَار وَتحمل عَلَيْهَا الرِّوَايَات والْآثَار ثمَّ إِن أَكثر التواريخ لهَؤُلَاء عَامَّة المناهج والمسالك لعُمُوم الدولتين صدر الْإِسْلَام فِي الْآفَاق والممالك وتناولها الْبعيد من الغايات فِي المآخذ والمتارك
وَمن هَؤُلَاءِ من استوعب مَا قبل الْملَّة من الدول والأمم وَالْأَمر العمم كالمسعودي وَمن نحى منحاه وَجَاء من بعدهمْ من عدل عَن الْإِطْلَاق إِلَى التَّقْيِيد ووقف فِي الْعُمُوم والإحاطة عَن الشأو الْبعيد فقيد شوارد عصره واستوعب أَخْبَار قطره وَاقْتصر على أَحَادِيث دولته ومصره كَمَا فعل أَبُو حَيَّان مؤرخ الأندلس والدولة الأموية بهَا وَابْن الرفيق مؤرخ إفريقية والدول الَّتِي كَانَت بالقيروان ثمَّ لم يَأْتِ من بعد هَؤُلَاءِ إِلَّا مقلد وبليد الطَّبْع وَالْعقل أَو متبلد ينسج على ذَلِك المنوال ويحتذى مِنْهُ بالمثال وَيذْهل عَمَّا أحالته الْأَيَّام من الْأَحْوَال واستبدلت بِهِ من عوائد الْأُمَم والأجيال فيجلبون الْأَخْبَار عَن الدول وحكايات الوقائع فِي العصور الأول صورا قد تجردت عَن موادها وصفاحا انتضبت من أغمادها ومعارف تستنكر للْجَهْل بطارفها وتلادها إِنَّمَا هِيَ حوادث لم تعلم أُصُولهَا وأنواع لم تعْتَبر أجناسها وَلَا تحققت فصولها بكررون فِي موضوعاتهم الْأَخْبَار المتداولة بِأَعْيَانِهَا أتباعا لمن عَنى من الْمُتَقَدِّمين بشأنها ويغفلون أَمر الأجيال الناشئة فِي ديوانها بِمَا أوعز عَلَيْهِم ترجمانها فتستعجم صُحُفهمْ عَن بَيَانهَا ثمَّ إِذا