وهنالك أمر آخر يتعلق بضرب الإمام أحمد على أحاديث كان لا يرى بقائها في «المسند»، وليس رواتها ممن ساهموا أو امتحنوا بفتنة خلق القرآن، فمثلاً حديث: «يُهْلِكُ أُمَّتي هذا الحيُّ من قريش»، قالوا: فماذا تأمرنا به يا رسول الله؟ قال: «لو أنَّ الناس اعتزلوهم»، أخرجه أحمد في «المسند» ج 2/ 288، 299، 301، 304، 485، والحديث صحيح أخرجه البخاري في «صحيحه»، رقم (3064، 3065)، «فتح الباري» ج 6/ 612، ج 13/ 9.

ومع ذلك قال عبد الله: قال لي أبي في مرضه الذي مات فيه: أضرب على هذا الحديث، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. يعني: قوله: «اسمعوا أطيعوا» [«المسند» ج2/ 301].

قال أبو موسى: «وهذا - مع ثقة رجال إسناده- حين شذَّ لفظه عن الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه .... » [«خصائص المسند» ص 24] و [«الفروسية» ص 266 - 267].

قلت - القائل ابن قيم الجوزية ت 751 هـ وهو يرد على أبي موسى المديني الحافظ -: هذا لا يدلُّ على أن كل حديث في «المسند» يكون صحيحاً عنده، وضربُه على هذا الحديث مع أنه صحيح أخرجه أصحاب الصحيح، لكونه عنده خلاف في الأحاديث، والثابت المعلوم من سنته ? في الأمر بالسمع والطاعة، ولزوم الجماعة، وترك الشذوذ والانفراد، كقوله ?: «اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ» [رواه البخاري]، وقوله: «من فارق الجماعة، فمات، فميتته جاهلية» [رواه مسلم]، وقوله: «الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» [رواه الترمذي]، وقوله: «من فارق الجماعة، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» [رواه أبو داود]، وقوله: «ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب رجل مسلم: إخلاص العمل لله ... » [رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد ... ]، وقوله: «عليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية» [رواه أحمد- صحيح -]، إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة المستفيضة المصرِّحة بلزوم الجماعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015