ثم لما ذكر الإنسان بحاله منذ خُلق من نطفة حتى بقي في الدنيا وعاش ذكر حاله الأخيرة في قوله: {فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ} [عبس:33] أي: الصيحة العظيمة التي تصخ الآذان، وهذا هو يوم القيامة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34-36] (من أخيه) شقيقه أو لأبيه أو لأمه (وأمه وأبيه) الأم والأب المباشر والأجداد -أيضاً- والجدات، يفر هؤلاء كلهم (وصاحبته) أي: زوجته (وبنيه) وهم أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه يفر من من هؤلاء كلهم.
قال أهل العلم: يفر منهم لئلا يطالبوه بما فرط به في حقهم من أدب وغيره؛ لأن كل شخص في ذلك اليوم لا يحب أبداً أن يقوم له أحدٌ يطالبه بشيء: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] كل إنسان مشتغلٌ بنفسه لا ينظر إلى غيره، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً، قالت عائشة: واسوأتاه يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: الأمر أعظم من أن ينظر بعضهم إلى بعض) .