تفسير قوله تعالى: (وماء مسكوب)

أما قوله: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة:31] فالمعنى: أنه ماء مستمر دائماً، كما قال الله عز وجل: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] دائماً، وغير الماء أيضاً هناك أنهار أخرى، من عسل ولبن وخمر، فالأنواع أربعة، وقد ورد في الحديث أن هذه الأنهار تجري بدون أخدود، والأخدود هو الشيء المرتفع، هذه تمنع الماء أن يذهب يميناً وشمالاً، الجنة لا يوجد فيها أخدود، كذلك أيضاً في الدنيا، إذا لم يكن أخدود، لا بد من حفر للماء يمشي مع هذا الحفر، وفي الجنة لا يوجد فيها لا هذا ولا هذا، أنهار تمشي من دون أخدود، سبحان الله العظيم، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:

أنهارها في غير أخدود جرت سبحان ممسكها عن الفيضان

الله أكبر! سبحانه، لا تحتاج إلى تعب لا إقامة أخدود ولا حفر خنادق، إذا قال قائل: هل هذا ممكن؟ نقول: لا تتحدث فتقول: هل هذا ممكن؟ صدِّق، أخبار الغيب ليس فيها ممكن وغير ممكن، صدِّق ولا تتحدث، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرنا بأن الله ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر؟

صلى الله عليه وسلم بلى، وهو سبحانه وتعالى له العلو المطلق، كيف يكون عالي وينزل؟ ما هو الواجب؟ الواجب التصديق ولا نقول: كيف ولم، هذا شيء فوق مستوى عقولنا.

أمور الغيب لا تسأل عنها، ما دام أنها ثبتت في القرآن أو السنة فلا تسأل عنها؛ لأنه لا يمكنك الإحاطة بها، قل: آمنت بالله ورسوله واستمر، هنا نقول: أنهار الجنة تمشي بغير أخدود هل هذا ممكن؟ أمكن أو لم يمكن، ما دام ثبت عن المعصوم وجب علينا التصديق، على أنه في الدنيا ممكن، الآن لو مسحت يدك بدهن وصببت عليها الماء لا تجد أنها تكون زبراً بدون شيء، بدون حائل، بدون حفرة، هذا وهو في الدنيا أما في الآخرة فهو أعظم، أليس الله تعالى يقول في أهل الجنة: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:50-53] قرينه في الدنيا يقول: أنت تصدق إننا بعد ما نكون تراباً وعظاماً أننا نبعث ونجازى تصدق بهذا؟ انظر كيف التلبيس، ما جواب المؤمن؟ هل تصدق أنك بعد أن تموت وتغمس في التراب وتصير عظاماً ورفاتاً أنك تبعث؟ انظر والله، أشد مما أصدق الشمس، هذا القرين السيئ يقول قرينه: أنت تصدق بهذا؟ {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] وهو قرينه في الدنيا، لكن هذا منَّ الله عليه بالثبات وثبت وصار من أهل الجنة فقال لأصحابه: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] تعالوا نطلع على قرينه الذي كان يقول له هذا الكلام {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] في قعر الجحيم، وهذا في أعلى عليين في الجنة، قال له يخاطبه: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:56] أي: لتهلكني، بماذا؟ بقوله: أتصدق بهذا، {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] للعذاب، كما أنت محضر الآن، يخاطب وهذا في أعلى عليين، وهذا في أسفل السافلين، ويطلع عليه فيقول: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} ؟ هل هذا ممكن؟ كلنا نقول: هذا لا يمكن في الدنيا، لكن في الآخرة مصدقون، لكن وجدنا الآن أنه يوجد في الدنيا من صنع الآدمي، هواتف يتخاطب بها القريب والبعيد ويتراءون الصور، من صنع البشر، كيف بصنع الخالق عز وجل؟! أنا أقصد بهذا يا إخوان أن لا تستبعدوا شيئاً مما أخبر الله به ورسوله، ويجب عليكم أن تصدقوا، ولا توردوا على أنفسكم ولا على غيركم كيف يكون هذا، هذا خبر صادق عن الله ورسوله، قل: آمنت بالله واستقم على دين الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015