مسألة: لو رمى في أيام التشريق الجمرات الثلاث قبل الزوال، أو بدأ ولو بحصاةٍ واحدة قبل الزوال فهل يجزئ؟
صلى الله عليه وسلم لا.
لا يجزئ، لا في يوم الحادي عشر ولا في اليوم الثاني عشر، ولا في اليوم الثالث عشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمى بعد الزوال وقال: (لتأخذوا عني مناسككم) ولأنه كان يتحين ويرتقب زوال الشمس، ومن حين أن تزول يرمي قبل أن يصلي الظهر، مما يدل على شدة تحريه للزوال حتى يبادر، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لفعله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولرخص فيه للضعفاء كما رخص في الرمي قبل طلوع الشمس يوم العيد؛ لأنه لو قدمه قبل الزوال أيهما أيسر: قبل الزوال في الفراغ، أو بعد الزوال في شدة الحر؟ قبل الزوال، وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين اثنين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأجازه للأمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوف رحيم، ولا تغتر بمن يفتي بالرمي قبل الزوال في اليوم الثاني عشر محتجاً بأن هذا أرفق بالناس؛ لأننا نقول في الجواب: لست أرفق من الله ورسوله {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ولو كان هذا جائزاً لأجازه.
فإذا قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يدرك هذا الزحام الشديد، وهذا العنف من بعض الحجاج وهذا الغشم؟! قلنا: ولكن الله يعلم ذلك ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لأباحه الله عز وجل للضرورة كما أباح الميتة للضرورة، فلا يغتر مغترٌ بفتوى أحد من السابقين أو اللاحقين (الهدى مقدمٌ على الهوى) الهدى مقدم على قول كل أحد، والهدى ما جاء به الكتاب والسنة.
فإذا قال قائل: هل يكون زحام شديد إذا أخرنا الرمي في اليوم الثاني عشر إلى ما بعد الزوال؟ قلنا: نعم.
سيكون زحامٌ شديد عند الزوال -يعني: بعد الزوال مباشرة- لكن في آخر النهار يخف، ثم إذا قدر أنه بقي الزحام إلى الغروب ارم بعد الغروب وامشِ؛ لأنك متعجل، والله عز وجل يقول: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة:203] لكن عجزت ما استطعت أن أرمي في اليومين، فيكون تأخير الرمي إن لم يكن أداءً فهو قضاءٌ للضرورة، فنقول: لا حرج، أنت تأهب واذهب وإذا حبسك حابسٌ من زحام السيارات أو حابسٌ من زحام الناس عند الجمرة فارم ولو بعد الغروب، واستمر في خروجك من منى.
بهذا علمنا أن المسألة ما هي إلا من فعل الناس لا باعتبار الواقع، من فعل الناس وهو أنهم يزدحمون عند الزوال لينفروا، ولكن لو أنهم تأنوا وانتهزوا الفرصة ما حصل هذا، فالأمر والحمد لله واسع.