أما بالنسبة لقيام رمضان، وهو ما يسمى عندنا بالتراويح، وسمي تراويح؛ لأن السلف رحمهم الله ليسوا يصلون قيام رمضان كصلاتنا الآن بل يطيلونها إطالة تامة، فإذا صلوا أربع ركعات -يعني: تسليمتين- توقفوا واستراحوا، ثم استأنفوا الصلاة فيصلون أربعاً ثم يستريحون، ثم يستأنفون الصلاة فيصلون ثلاثاً، لكن على ركعتين ركعتين، فعلى هذا ينبغي لنا أن نحرص على هذا القيام ابتغاءً لثواب الله، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والسنة أن تصلى جماعةً في المساجد؛ لأن هذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، صلى بهم ثلاثة ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليَّ) وخشية الفريضة الآن غير واردة؛ لأنه انتهى زمن التشريع فليست واردة.
وينبغي للإمام ألا يزيد على ثلاث عشرة ركعة، إما إحدى عشرة وإما ثلاث عشرة، ولا يجوز له أن يقرن بين الركعات، يعني بمعنى: أن يصلي أربعاً جميعاً وأربعاً جميعاً؛ لأن هذا ليس من السنة، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) ، ثم إنه قد يشق على الناس إذا جمع أربع ركعات جميعاً يشق على الناس بماذا؟ قد يكون بعض الناس محصوراً يحتاج إلى قضاء الحاجة، أو مشغولاً بشغلٍ ضروري، أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا من جنس فعل معاذ -رضي الله عنه- حينما أطال بقومه في صلاة العشاء، فنهاه الرسول عليه الصلاة والسلام.
لكن قد يقول قائل: ما تقولون في حديث عائشة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً) ؟ نقول: هي حكت عدد القيام أنه إحدى عشرة، ثم فصلت فقالت: أربع وأربع وثلاث، ومعنى ذلك: أنه إذا صلى أربعاً توقف، ثم صلى أربعاً، هذا هو المتعين، ولا يمكن أن يحمل على أنها أربع مسرودة لوجهين: الوجه الأول: أن هذا الإجمال الذي حصل في حديث عائشة فصل من عائشة رضي الله عنها نفسها: (أنه كان يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ثلاث) .
ثانياً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام نفسه قال: (صلاة الليل مثنى مثنى) ومن فهم من بعض الناس أنه يجمع الأربع فقد فهم خطأً، ولم يجمع بين النصوص.
كذلك أيضاً: لا نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يوتر بسبع أو تسع سرداً في التراويح؛ لأن بعض الناس قال: أنا أوتر خمساً جميعاً أو تسعاً جميعاً لأعلم الناس السنة، فيقال: أأنت أحرص على إبلاغ السنة والشريعة من رسول الله؟ الجواب قطعاً: لا، هل قام الرسول بالناس على هذا الوجه؟ لا، إنما أوتر بنفسه في بيته، أوتر بخمس ولم يسلم إلا في آخرها، وبسبع لم يسلم إلا في آخرها، وبتسع لم يسلم إلا في آخرها، ما صلى بالناس على هذا.
والإنسان الذي يصلي بالناس يجب أن يراعي أحوال الناس، أرأيتم رجلاً جاء ليصلي في المسجد وصلى بهم تسعاً جميعاً ماذا يكون؟ مشقة على الناس، قد يحدث لإنسان أنه يحتاج إلى الخلاء، وقد يدخل إنسان على أنها ركعتين يريد أن يصلي ركعتين أو أربع ركعات وينصرف إلى البيت لحاجة، ثم إذا دخل الآن ماذا ينوي؟ لأن هذه الخمس أو السبع أو التسع ستكون وتراً أو قياماً؟ وتراً، ماذا ينوي الداخل؟ الداخل سينوي أنها تهجد قيام؛ لأنه لا يدري عن الإمام، فتختلف النية وحينئذٍ سيتعب هذا الداخل ثم في التالي نقول: إنك لم توتر؛ لأنك ما نويت الوتر.
فلهذا يجب على الأئمة أن يراعوا أحوال الناس، وأن يضموا السنة بعضها إلى بعض حتى يتبين الأمر.
ثم إذا قال: أنا أريد أن أعلم الناس السنة، نقول: جزاك الله خيراً أبلغ الناس السنة بالقول، قل: إن الرسول يوتر بخمسٍ جميعاً، وسبعٍ جميعاً، وتسعٍ جميعاً، أُعْلِم الناس بهذا اللفظ، وأما أن تقول: أُعْلِمُهم بشيء يشق عليهم، وليس فعله من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذا غلط.
لذلك أحث إخواني الأئمة وكذلك غير الأئمة: أن يحثوا الناس على هذه التراويح، وأحث الأئمة على أن يصلوا التراويح صلاةً مطمئنة ليس فيها سرعة ولا عجلة؛ لأن الله تعالى يقول: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] لم يقل: أيكم أسرع عملاً، والناس في رمضان يحبون أن يطمئنوا كثيراً في الركوع والسجود والتشهد، الآن كثيرٌ من الأئمة حسب ما نسمع في الركوع يسبح ثلاثاً بسرعة، والمأموم يقول الإمام: سمع الله لمن حمده قبل أن يسبح مرة واحدة؛ لأن المأموم سوف يشرع في الركوع بعد وصول الإمام إلى الركوع، فيقوم الإمام قبل أن يقوم المأموم من ركوعه كيف هذا؟! كذلك في التشهد ما أن يصل الناس إلى قولهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا ويسلم الإمام، أعوذ بالله دع الناس يكملوا الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام على حسب ما علمهم الرسول؛ الرسول علمهم كيف يصلون عليه، ماذا قال لما قالوا: كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد) .
ثم إنه أمر أمته عليه الصلاة والسلام إذا تشهدوا التشهد الأخير أن يقولوا: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) .
كثيرٌ من الأئمة مع الأسف في قيام رمضان لا يصلون إلا هذا الحد، فتجد المأموم يرتبك هل يسلم قبل أن يكمل التشهد أو يبقى يكمل التشهد وإذا بالإمام قد قرأ الفاتحة من التسليمة الثانية.
فأرجو من إخواننا الأئمة أن يراعوا هذا.
وأسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يدرك رمضان فيصومه إيماناً واحتساباً وأن يتقبل منا ومنكم.
ولعل هذا المجلس يكون إن شاء الله فيه فائدة، والتفسير ليس وقته محدوداً حتى نقول: لابد منه، إن شاء الله تعالى نحن في مستقبل الأيام ونسأل الله أن يعيننا على الخير والطاعة.