قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:29] الخطاب للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ذكر) والمذكر محذوف، والتقدير: ذكر الناس، أو إن شئت فقل: ذكر من أرسلت إليهم من الجن والإنس.
{فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} هذا نفي لما ادعاه المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن أو مجنون، قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} أي: بإنعام ربك عليك بما أنزل عليك من الوحي لست بكاهن ولا مجنون؛ والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، وكانت الكهانة في الجاهلية مشهورة، يكون للإنسان رئيٌ من الجن يصحبه ويخدمه، ثم يصعد الجني إلى السماء يستمع ما يقال في السماء، وينزل به على هذا الكاهن، فيكون هذا علم غيبٍ عن أهل الأرض، لكن الكاهن يزيد عليه أشياء كثيرة يتخرصها، فإذا وقع ما سمعه من السماء صار عظيماً في قومه؛ لأنه أخبر عن شيء مستقبل فوقع.
فالكاهن إذاً: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء بالوحي رده المشركون وكذبوه، وقالوا: إنما جاء به محمد من الكهانة؛ لأن الكهان يخبرون عن الشيء فيقع، ولأن الكهان أيضاً يأتون بكلامٍ مسجوع يشبه القرآن، والقرآن آيات مفصلة أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلام حمل بن النابغة الذي قال: (يا رسول الله! كيف أغرم من لا شرب ولا أكل، ولا نطق ولا استهل، فمثل ذلك يطل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما هو من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع.
المهم أنهم يقولون عنه صلى الله عليه وسلم: إنه كاهن، فنفى الله ذلك، ثم قالوا: إنه مجنون يأتي بما لا يعرف، فكذبهم الله فقال: {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} [الطور:29] هذه الجملة منفية مؤكدة بالباء الزائدة إعراباً المفيدة معنىً، (بكاهن) أصلها: فما أنت بنعمة ربك كاهناً ولا مجنوناً، لكن زيدت الباء توكيداً للنفي.