علينا أيضاً أن نستقبل هذا العام الجديد بإصلاح الخلق مع الناس أن نلقى الناس بوجه بشوش أن نفشي السلام بيننا ابتداءً ورداً خلافاً لبعض الناس الآن تجدهم من طلاب العلم لكن لا يفشون السلام، يلاقي الإنسان صاحبه وزميله في الدراسة سواء في الكلية أو في المسجد لا يسلم عليه إلا أن يشاء الله، يلاقي إخوانه في السوق لا يسلم عليهم إلا أن يشاء الله، ولهذا اشتهر عند بعض الناس عند بعض العوام -والعوام هوام-: أن طلاب العلم جفاة لا يسلمون وإذا سلم عليهم يردون بآنافهم ولا يسمعهم المسلِّم، كل هذا من غرور الشيطان، فالذي ينبغي لنا بل يجب علينا أن نكون لإخواننا المسلمين أحبة متآلفين.
وإفشاء السلام من أسباب دخول الجنة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ -ثم أجاب نفسه فقال:- أفشوا السلام بينكم) أظهروه أعلنوه، ثم المسلِّم ماذا يأتي له من الأجر؟ التسليمة الواحدة عشر حسنات، عشر حسنات باقيات لك في يوم تحتاج إليها لا تجد زيادة في حسناتك، وأنت أحوج ما تكون إليها، تجدها عند الله تبارك وتعالى، لو قيل للناس: كل إنسان يسلم نعطيه درهماً، ماذا يكون؟ يفشون السلام أم لا؟ يفشون السلام، بل يترددون على الجالس عدة مرات لأجل أن يحصلوا على زيادة دراهم، مع أن الدراهم إما فانية وإلا مفني عنها، الإنسان لن يعمر والدراهم لن تعمر لابد من مفارقة إما من أصحاب الأموال وإما من الأموال نفسها، ولهذا وبخ الله عز وجل من يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فقال: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16-17] .
فعلينا أيها الإخوة أن نستقبل عامنا بحسن الخلق مع الناس، فإن حسن الخلق من أفضل الأعمال حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ويتعين أن يكون حسن الخلق في الدعوة إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله ليس لمجرد الإصلاح بينك وبين غيرك، أو جلب الألفة بينك وبين غيرك، لكنها لإقامة دين الله، فلا ينبغي أن نجفو في الدعوة إلى الله، بل ندعو باللطف واللين وتحمل الأذى، بل وتحمل المخالفة من المدعوين، بمعنى: أننا لا ينبغي أن نطلب أو نأمل الحصول على المطلوب في أول وهلة، كم بقي النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس في مكة؟ ثلاثة عشر سنة يدعوهم إلى الله عز وجل بالتي هي أحسن بالموعظة الحسنة، بكل ما يستطيع من الوصول به إلى تحقيق مراده عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك ربه سبحانه وتعالى وهو أعلم وأحكم ينزل عليه الأحكام فترة فترة، لم يجد من أركان الإسلام في مكة إلا ركنان فقط هما: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والثاني: الصلاة، الباقي كله جاء في المدينة، الزكاة وإن قيل: إن أصلها فرض في مكة لكن الإنسان كان فيها مخيراً، في المدينة فرضت الأنصبة وبينت وبين المقدار وبين أهل الزكاة، لكن هذه التربية من الله عز وجل يجب أن نأخذها محل اعتبار وألا نريد من الناس أن يصلحوا بين عشية وضحاها، هذا شيء مستحيل تأباه حكمة الله عز وجل.
إذاً علينا أن نلاطف الناس في الدعوة إلى الله عز وجل، ونتحمل منهم الأذى، ونتحمل منهم البقاء على بعض المعاصي، رجاء إحسانها في المستقبل.
يوجد من الدعاة من عنده غيرة عظيمة، لكن لا يحسن أن يدعو الناس مع كبح هذه الغيرة، بمعنى: أنه إذا رأى شخصاً على منكر لم يملك نفسه من غيرته أن يعنف عليه بالإنكار، وهذا خطأ ليس بصحيح، عندما تجد إنساناً يشرب سيجارة مثلاً هل تصيح به تقول له: ويلك! هذا حرام هذا حرام، أنت مصر على معصية فأنت من الفاسقين، جانبت العدل، هل هذا لائق؟ لا، أمهله دعه ثم تكلم معه بيسر، أخي! ماذا تنفعك هذه؟ هل فيها منفعة؟ هل فيها مضرة؟ حتى يأخذ عن اقتناع، واعلم أن من وافقك عن قهر وسلطان فإنه لن ينتفع في الغالب، إذا صد عنك أو صددت عنه عاد لما هو عليه، لكن إذا وافقك عن اقتناع فهذا هو المقصود وهذا الذي يحصل به المراد.
فعليكم -أيها الأخوة- باللطف في الدعوة إلى الله، وأن تقابلوا الناس بصدر رحب.