أما السؤال الثاني: فعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وأن العلماء ورثة الأنبيا) رواه أحمد وابن ماجة بسند صحيح.
لا يخفى على سماحتكم ما للعلم وأهل العلم من المنزلة والدرجات عند الله تعالى ثم عند الناس وقد بين سبحانه أن العلم بمثابة مفتاح للإيمان به تعالى والسبيل القويم إلى معرفته وتوحيده وعبادته لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد:19] ، على ضوء ما تقدم نرجو من سماحتكم في هذا السؤال الثاني وقد من الله عليكم من نعمة العلم والبصيرة ولا نزكي أحداً على الله، نرجو منكم بياناً يوضح لنا المعالم والأمارات التي بها يتميز هذا الصنف من العلماء نعني: العلماء العاملين الذين عناهم صلى الله عليه وسلم ووصفهم بهذا الوصف الجليل (بأنهم ورثة الأنبياء) والذين يصلحون أن يكونوا الأسوة الحسنة في حياة الناس؟
صلى الله عليه وسلم أما بالنسبة للعلماء وهو السؤال الثاني، فالعلماء لا شك أن عليهم دوراً كبيراً في نشر العلم وفي الدعوة إلى الله وفي العمل المبني على شريعة الله؛ لأن العلماء هم قادة الشعوب في الحقيقة، والشعوب التي تنقاد للعلماء هي الشعوب الراضية المطمئنة، أما الشعوب التي لا تخضع إلا للسلطة فهذه لا شك أنها سوف تمارس المخالفات في الخفاء؛ لأن السلطة مهما بلغت في مخابراتها ومباحثها فلن تستطيع أن تستولي على العقول، لكن القيادة الدينية هي التي تستولي على العقول، وإذا استولت على العقول صلحت الجوارح.
فالعلماء عليهم دور عظيم أولاً في طلب العلم من منابعه الصحيحة وهي: الكتاب والسنة وعمل الصحابة والسلف الصالح، لا من رأي فلان وفلان من المتأخرين أو المتحمسين حماساً أهوج.
ثانياً: عليهم أن يكونوا أول عامل بعلمه بقدر المستطاع؛ لأنهم إذا علموا بالحق ولم يعملوا به كان علمهم حجة عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) وليس من العقل ولا من الشرع أن يعلم الإنسان بالشيء أنه حرام فيفعله أو أنه واجب فيتركه، فعليهم بعد طلب العلم من مظانه ومنابعه عليهم أن يعملوا به.
الثالث: أن ينشروه بين الناس بقدر المستطاع سواء في حِلق الدراسة أو في فصول الدراسة أو في المساجد على عامة الناس أو في الصحف أو في الإذاعة، المهم جميع وسائل نقل العلم يجب على العالم أن يسلكها بقدر استطاعته؛ لأن الله أخذ على الذين أوتوا الكتاب أن يبينوه للناس ولا يكتموه.
الرابع: أن يدعو إلى الله على بصيرة، والدعوة إلى الله على بصيرة تكون من وجهين: الوجه الأول: بصيرة في الشريعة بألا يدعو الله على جهل؛ لأن من دعا عباد الله إلى شريعة الله وهو يجهلها فإنه يفسد أكثر مما يصلح، لابد أن يكون لديه بصيرة في شريعة الله حتى يدعو إليها، على بصيرة في كيفية الدعوة؛ وذلك بسلوك الحكمة؛ لأن المقصود الوصول إلى الحق لا الانتقام ولا الانتصار للنفس.
وكثير من الإخوة الدعاة الغيورين تجده لا يستعمل الحكمة في الدعوة بل تحمله الغيرة على العنف وكأنه يريد أن ينتقم من هذا المخالف سواء كان مخالفته جهلاً أو عناداً أو يريد الانتصار لنفسه ولقوله، وهذا غلط؛ لأن الله يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] ، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] لا إلى هواي ورأيي وقولي، اجعل همك أن تدعو إلى الله عز وجل وإلى سبيل الله، وحينئذٍِ لابد أن تكون على بصيرة في كيفية الدعوة إلى الله.
ثم إني أقول لكم: الداعي إلى الله أليس يريد أن يصلح المدعو؟ إذا كان كذلك فلابد أن يسلك السبيل التي تكون وسيلة إلى إصلاحه، ومن المعلوم أنك لو رأيت مخالفاً وانتهرته وغضبت عليه أن هذا لا يزيده إلا نفوراً منك ومما تدعو إليه، ولكن لو أتيته بالتي هي أحسن بأسلوب سهل لين يسير أدركت مطلوبك، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] لأنه لابد أن يصيبك شيء ولو بالضغط النفسي، قد لا يصيبك قول يجرحك أو فعل يؤلمك لكن الضغط النفسي اصبر عليه، قد ترى أنك لا تستطيع أن تصبر؛ لأنك ترى هذا الرجل على محرم فتعجز عن الصبر وتعنف وتغضب، لكن هذا ليس من طريق الحكمة، اصبر نفسك واضغط عليها والغرض إصلاح المدعو، وقد جربنا هذا وجربه غيرنا أن من دعا بعنف وغيرة زائدة لم يحصل على المقصود، ومن دعا باللين واللطف والتيسير حصل مقصوده.