ثم قال عز وجل: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات:11] اللمز: العيب, بأن تقول: فلان بليد، فلان طويل، فلان قصير، فلان أسود، فلان أحمر، وما أشبه ذلك مما يعد عيباً.
وقوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) فسرت بمعنيين: المعنى الأول: لا يلمز بعضكم بعضاً؛ لأن كل واحد منا بمنزلة نفس الإنسان, أخوك بمنزلة نفسك، فإذا لمزته فكأنما لمزت نفسك.
المعنى الثاني: لا تلمز أخاك لأنك إذا لمزته لمزك, فلمزك إياه سبب لكونه يلمزك، وحينئذٍ تكون كأنك لمزت نفسك, وعليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من لعن والديه, فقالوا: يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟! قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه, ويسب أمه فيسب أمه) .
هذه الآية فيها: تحريم عيب المؤمنين بعضهم بعضاً, فلا يجوز لك أن تعيب أخاك بصفة خِلقِية أو صفة خُلُقية.
أما الصفة الخِلقية التي تعود إلى الخِلقة، فإن عيبك إياه في الحقيقة عيب لخالقه عز وجل.
من الذي خلق الإنسان؟ الله عز وجل.
من الذي جعله على هذه الصفة؟ الله عز وجل.
هل الإنسان يمكن أن يكمل خلقته، فيكون الطويل قصيراً أو القصير طويلاً, أو القبيح جميلاً أو الجميل قبيحاً؟ هذا لا يمكن, فأنت إذا لمزت إنساناً وعبته في خلقته؛ فقد عبت الخالق في الواقع.
ولهذا لو وجدنا جداراً مبنياً مائلاً وعبنا الجدار, هل عيبنا للجدار أم لباني الجدار؟ إذاً إذا عبت إنساناً في خلقته فكأنما عبت الخالق عز وجل, فالمسألة خطيرة.
أما عيبه في الخلق بأن يكون هذا الرجل سريع الغضب, شديد الانتقام, بذيء اللسان, فلا تعبه, لأنه ربما إذا عبته ابتلاك الله بنفس العيب، ولهذا جاء في الأثر: [لا تظهر الشماتة في أخيك فيعافيه الله ويبتليك] لكن إذا وجدت فيه سوء خلق فالواجب النصيحة, أن تتصل به إن كان يمكنك الاتصال به, وتبين له ما كان عليه من عيب, أو تكتب له رسالة باسمك أو باسم ناصح مثلاً.