الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني عشر بعد المائة من لقاءات الباب المفتوح التي تتم كل خميس, وهذا هو يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر رجب عام (1416هـ) .
نبتدئ هذا اللقاء بالكلام على سورة الفاتحة, سورة الفاتحة سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم كتابة, وليست هي أول ما نزل, بل إن أول ما نزل من القرآن قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5] .
وتسمى هذه السورة بأم القرآن, وتسمى السبع المثاني, ولها أسماء متعددة, تسمى أم القرآن لأن معاني ومقاصد القرآن كلها موجودة في هذه السورة, على أنها سبع آيات فقط وآيات قصار لكن جميع مقاصد القرآن موجودة فيها, من التوحيد والعقائد والتاريخ ومناهج الناس وغير هذا, لكنها مذكورة إجمالاً.
البسملة ليست للفاتحة, بل هي آية مستقلة تفتح بها السورة, ما عدا سورة البراءة, فإنها لا تفتتح بها اتباعاً لما فعله الصحابة الكرام رضي الله عنهم, ويدل على أن الفاتحة ليست منها, ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي, وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي, وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي, وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل, فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6-7] قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فهي سبع آيات, الثلاث الآيات الأولى لله, والآيات الثلاث الأخيرة للعبد, والآية الرابعة وهي الوسط من السبع بين الله وبين العبد, وهذا أيضاً ترجيح معنوي, لكون الفاتحة بداءتها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] وليست البسملة منها, الترجيح اللفظي: أننا لو جعلنا البسملة من الفاتحة, لكانت الآية الأخيرة طويلة لا تتناسب مع الآيات التي قبلها, لأنها ستكون: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] وهذه تساوي آيتين, ولهذا كان الصواب: أن آخر الآية السادسة قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} .
وينبغي للإنسان إذا قرأها -ولا سيما في الصلاة- أن يقف على كل آية؛ لأن الله سبحانه وتعالى يناجي العبد في الصلاة: (إذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي) كما سمعتم الحديث.