ثم بين الله عز وجل الحكمة من كوننا نتبين من خبر الفاسق فقال: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] أي: أمرناكم أن تتثبتوا كراهة أن تصيبوا قوماً بجهالة, لأن الإنسان الذي يتسرع ولم يتثبت فقد يعتدي على غيره بناءً على الخبر الذي سمعه من الفاسق, وقد يكرهه, وقد يتحدث فيه في المجالس, فيصبح بعد ذلك إذا تبين خبر الفاسق كذباً يصبح نادماً على ما جرى منه.
وفي هذه الآية: دليل على أنه يجب على الإنسان أن يتثبت فيما ينقل من الأخبار ولا سيما مع الهوى والتعصب, إذا جاءك خبر عن شخص وأنت لم تثق بقول المخبر يجب أن تتثبت وألا تتسرع في الحكم, لأنك ربما تتسرع وتبني على هذا الخبر الكاذب فتندم فيما بعد, ومن ثم جاء التحذير من النميمة: وهي أن ينقل كلام الناس بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم, حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قتات) -أي: نمام-, وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين يعذبان فقال: (إنهما ليعذبان, وما يعذبان في كبير -أي: في أمر شاق عليهما- أما أحدهما فكان لا يستتر -أو لا يستبرئ أو لا يستنزه، هذه روايات- من البول, وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) يمشي بين الناس لنقل الحديث إلى الآخرين ليفسد بين الناس, (ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين وغرزها في كل قبر واحدة, فقالوا: يا رسول الله! لم فعلت هذا؟ قال: لعل الله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) .
{أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] ومن هذا النوع من ينسب إلى بعض العلماء من الفتاوي التي لم يتكلم بها إطلاقاً أو تكلم بضد ما ينقل عنه, فإن بعض الناس قد يفهم من العالم كلمة على غير مراد العالم بها, وقد يسأل العالم سؤالاً يتصوره العالم غير ما في نفس هذا السائل, ثم يجيب على حسب ما فهمه، ثم يأتي هذا الرجل وينشر هذا القول الذي ليس بصحيح, وكم من أقوال نسبت إلى علماء أجلاء ولكن لم يكن لها أصل, لهذا يجب التثبت فيما ينقل عن العلماء أو غير العلماء, ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الأهواء والتعصب، وصار الناس كأنهم يمشون في عماء.