قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} [الشرح:2] قد تقول: إن بين الجملتين تنافراً الأولى الجملة فعل مضارع (نشرح) والثانية فعل ماضٍ: (وضعنا) لكن بناءً على التقرير الذي قلت: وهو أن (ألم نشرح) بمعنى قد شرحنا، و (وضعنا) يكون عطفاً على نظيره ومثيله.
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} وضعناه: أي طرحناه، وعفونا، وسامحنا، وتجاوزنا (عنك وزرك الذي أنقض ظهرك) أي: الذي أقضه وآلامه، لأن الظهر هو محل الحمل، فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر، فإتعاب غيره من باب أولى، يعني أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر، وانظر الفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك، أو تحمله بين يديك، بينهما فرق.
فالمعنى: أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره وخطيئته، حتى بقي مغفوراً له، قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1-2] وقيل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقوم الليل ويطيل حتى تتورم قدماه أو تتفطر فقيل له: (كيف تفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!!) فأقر هذا القول، أقر أن الله عز وجل قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن قال: (أفلا أكون عبداً شكورا) .
إذاً مغفرة ذنوب رسول الله المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلا الرسول، أما غيره فيحتاج إلى توبة يتوب من الذنب، وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولهذا قال تعالى: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} .