Q فضيلة الشيخ: بعض الأهل عندنا كانوا يأكلون بعد أذان الفجر.
ولما ذكرت لهم أن ذلك لا يجوز قالوا: ليس في ذلك شيء، فما حكم هذه الأيام الماضية؟
صلى الله عليه وسلم كلمة (ليس في ذلك شيء) ليست بحجة، لكن لو قالوا: ما طلع الفجر، لكان له وجه، مثل أن يكونوا في البر وليس حولهم أنوار، وقالوا: لم نشاهد طلوع الفجر؛ لأن بعض الناس الآن يشككون في التقويم الموجود بين أيدي الناس، يقولون: إنه متقدم على طلوع الفجر، ويقولون: خرجنا إلى البر وليس حولنا أنوار، ورأينا الفجر يتأخر، حتى بالغ بعضهم وقال: يتأخر ثلث ساعة.
لكن الظاهر أن هذه مبالغة لا تصح، والذي نراه أن التقويم الذي بين أيدي الناس الآن -الذي هو تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق في الفجر خاصة، يعني لو أكلت وهو يؤذن على التقويم فلا حرج، إلا إذا كان المؤذن يحتاط ويتأخر، فبعض المؤذنين جزاهم الله خيراً يحتاطون، ولا يؤذنون إلا بعد خمس دقائق من التوقيت الموجود الآن، وهذه المسألة مسألة خطيرة، وبعض جهال المؤذنين يتقدمون في أذان الفجر زعماً منهم أن هذا أحوط للصوم، لكنهم ينسون أنهم يهملون ما هو أشد من الصوم! وهو صلاة الفجر، فربما يصلي أحد الناس قبل الوقت، والإنسان إذا صلى قبل الوقت ولو بتكبيرة الإحرام ما صحت صلاته.
ثم هم -أعني هؤلاء المؤذنين قبل الفجر- يقولون: نحن نحتاط.
نقول: تحتاطون أكثر مما احتاط الله لعباده؟! إن الله يقول: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} [البقرة:187] فلابد أن تتبين الفجر.
حتى التعبير القرآني لم يقل: حتى يطلع الفجر، بل قال: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ} [البقرة:187] فأنتم الآن عندما أذنتم منعتم عباد الله ألا يأكلوا ولا يشربوا في هذه اللحظة، معناه أنكم حرَّمتم على الناس ما أباح الله لهم، فيكون عليكم إثم من هذه الناحية أيضاً، حتى لو فُرض أن الناس تمهلوا ولم يصلوا فعليكم إثم من جهة أنكم منعتم عباد الله مما أحل الله لهم.
فالجهل داء قاتل، وبعض الناس يكون جاهلاً وينظر بعين الأعور، لا يرى إلا من جانب واحد، والجانب الثاني مهمل، وهذا غلط عظيم، ولذلك يجب على طلبة العلم أن ينبهوا الناس على هذه المسألة وخصوصاً المؤذنين، ويقولون: اتقوا الله في عباد الله! كيف تؤذنون قبل الفجر وتمنعون عباد الله مما أحل الله لهم؟! ربما كان الإنسان لتوه قام من النوم، عطشاناً ويريد أن يشرب، ولكن بورعه وتقواه لما سمع المؤذن أمسك، والمؤذن يؤذن قبل الفجر زعماً منه أن هذا هو الأحوط، فيحرم هذا الرجل المسكين من شربة الماء، فليس الأحوط أن تتبع الأشد؛ بل الاحتياط الحقيقي أن تتبع ما جاءت به الشريعة.