تفسير قوله تعالى: (والسماء والطارق)

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:1-3] .

وهنا -كما ترون- فيه قسم أقسم الله تعالى به، وهو السماء، وكذلك الطارق.

وقد يُشْكِل على بعض الناس كيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات، مع أن القسم بالمخلوقات شرك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) ، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) .

فلا يجوز الحلف بغير الله؛ لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأي شيء من المخلوقات.

والجواب على هذا الإشكال أن نقول: إن الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدل على عظمة الله عزَّ وجلَّ؛ لأن عِظَمَ المخلوق يدل على عِظَم الخالق.

وقد أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه، ومن أحسن من رأيته تكلم عن هذا الموضوع ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: التبيان في أقسام القرآن، وهو كتاب جيد ينفع طالب العلم كثيراً.

فهنا يقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هو كل ما علاك؛ كل ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يسمى سماءً، كما قال الله تعالى: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد:17] ، وإذا كان يُطْلَق على كل ما علاك؛ فإنه يشمل ما بين السماء والأرض، ويشمل السماوات كلها؛ لأنها كلها قد عَلَت وهي فوقك.

وأما قوله: {وَالطَّارِقُ} فهو قَسَمٌ ثان، أي أن الله أقسم بالطارق، فما هو الطارق؟ ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلاً، بل فسره الله عزَّ وجلَّ بقوله: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق:3] ، هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم، فتكون (أل) للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب أي: النجم اللامع، أي: قوي اللمعان؛ لأنه يثقب الظلام بنوره، وأيَّاً كان فإن هذه النجوم من آيات الله عزَّ وجلَّ الدالة على كمال قدرته؛ في سَيْرها، وانتظامها، واختلاف أشكالها، واختلاف منافعها أيضاً.

قال الله تبارك وتعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] .

وقال تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] فهي زينة للسماء، ورجوم للشياطين، وعلامات يُهتدى بها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015