قال تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] هذا وصف لله سبحانه وتعالى أنه فعال لما يريد، فكل ما أراد سبحانه فإنه يفعله، لا يمنعه شيء من ذلك؛ لأن له ملك السماوات والأرض، ومالك السماوات والأرض لا أحد يمنعه من أن يفعل في ملكه ما شاء، وهذا كقوله تبارك وتعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ، فالخلق مهما كانوا لا يستطيعون أن يفعلوا ما شاءوا، بل قد يريدون الشيء إرادة جازمة وبكل قلوبهم، ويتمنون أن يفعلوه؛ ولكن لا يحصل لهم هذا، بل يحول بينهم وبينه قدر الله عز وجل، أما الرب تبارك وتعالى فإنه فعال لما يريد.
وفي الآية الكريمة إثبات إرادة الله سبحانه وتعالى، وهو كذلك، فإنه تعالى له إرادة كاملة تامة في خلقه حتى فيما يتعلق بأفعال الخلق؛ لا يكون فعلٌ من الناس إلا بإرادة الله كما قال الله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29] فعلق مشيئتهم بمشيئته سبحانه وتعالى.
وقال جلَّ وعَلا: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:253] .
فهو سبحانه وتعالى إرادته شاملةٌ لِمَا يكون من فعله، ولِمَا يكون من فعل العباد، فأنا -مثلاً- لو تكلمت بكلامي هذا أو بغيره أو بما سبقه، فكل كلامي كائن بإرادة الله، ولو شاء الله ما تكلمتُ، وإذا شاء الله أن أتكلم تكلمتُ، فتنبعث من قلبي إرادة للكلام فأتكلم، ولهذا قال: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج:16] .