ولا تضاف النعم إلى الأسباب بل إلى مسببها ومقدرها كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى بهم الصبح في أثر سماء ثم قال: "أتدرون ما قال ربكم الليلة؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما المؤمن فقال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما الكافر فقال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب" وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى ولا هامة ولا نوء ولا صفر" وهذا مما يدل على أن المراد نفي تأثير هذه الأسباب بنفسها من غير اعتقاد أنها بتقدير الله وقضائه فمن أضاف شيئا من النعم إلى غير الله مع اعتقاده أنه ليس من الله فهو مشرك حقيقة ومع اعتقاد أنه من الله فهو نوع شرك خفي.
النوع الثاني: أسباب الشر: فلا تضاف إلا إلى الذنوب لأن جميع المصائب إنما هي بسبب الذنوب كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء: 79] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] فلا تضاف إلى شيء من الأسباب سوى الذنوب: كالعدوى أو غيرها والمشروع: اجتناب ما ظهر منها واتقاؤه بقدر ما وردت به الشريعة مثل: اتقاء المجذوم والمريض والقدوم على مكان الطاعون وأما ما خفي منها فلا يشرع اتقاؤه واجتنابه فإن ذلك من الطيرة المنهي عنها.
والطيرة من أعمال أهل الشرك والكفر وقد حكاها الله تعالى في كتابه عن قوم فرعون وقوم صالح وأصحاب القرية التي جاءها المرسلون وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا طيرة" وفي حديث: "من ردته الطيرة فقد قارف الشرك" وفي حديث ابن مسعود المرفوع: "الطيرة من الشرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" والبحث عن أسباب الشر من النظر في النجوم ونحوها من الطيرة المنهي عنها والباحثون عن ذلك غالبا لا يشتغلون بما يدفع البلاء من الطاعات بل يأمرون بلزوم المنزل وترك الحركة وهذا لا يمنع نفوذ القضاء والقدر ومنهم من يشتغل بالمعاصي وهذا مما يقوي وقوع البلاء ونفوذه والذي جاءت به الشريعة هو ترك البحث عن ذلك والإعراض عنه والإشتغال بما يدفع البلاء من الدعاء والذكر والصدقة وتحقيق التوكل على الله عز وجل والإيمان بقضائه وقدره.
وفي مسند ابن وهب أن عبد الله بن عمرو بن العاص التقى هو وكعب فقال عبد الله لكعب علم النجوم؟ فقال كعب: لا خير فيه قال عبد الله: لم قال ترى فيه ما تكره يريد الطيرة فقال كعب: فإن مضى وقال: اللهم لا خير إلا طيرك.