في حق الذين يؤثرون السحر: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 102, 103] والمراد أنهم آثروا السحر على التقوى والإيمان لما رجوا فيه من منافع الدنيا المعجلة مع علمهم أنهم يفوتهم بذلك ثواب الآخرة وهذا جهل منهم فإنهم لو علموا لآثروا الإيمان والتقوى على ما عداهما فكانوا يحرزون أجر الآخرة ويأمنون عقابها ويتعجلون عز التقوى في الدنيا وربما وصلوا إلى ما يأملونه في الدنيا أو إلى خير منه وأنفع فإن أكثر ما يطلب بالسحر قضاء حوائج محرمة أو مكروهة عند الله عز وجل.

والمؤمن المتقي يعوضه الله في الدنيا خيرا مما يطلبه الساحر ويؤثره مع تعجيله عز التقوى وشرفها وثواب الآخرة وعلو درجاتها فتبين بهذا أن إيثار المعصية على الطاعة إنما يحمل عليه الجهل ولذلك كان كل من عصى الله جاهلا وكل من أطاعه عالما وكفى بخشية الله علما وبالإغترار به جهلا.

وأما التوبة من قريب: فالجمهور على أن المراد بها التوبة قبل الموت فالعمر كله قريب ومن تاب قبل الموت فقد تاب من قريب ومن مات ولم يتب فقد بعد كل البعد كما قيل:

فهم جيرة الأحياء أما قرارهم ... فدان وأما الملتقى فبعيد

فالحي قريب والميت بعيد من الدنيا على قربه منها فإن جسمه في الأرض يبلى وروحه عند الله تنعم أو تعذب ولقاؤه لا يرجى في الدنيا.

مقيم إلى أن يبعث الله خلقه ... لقاؤك لا يرجى وأنت قريب

تزيد بلى في كل يوم وليلة ... وتنسى كما تبلى وأنت حبيب

وهذان البيتان سمعهما داود الطائي رحمه الله من امرأة في مقبرة تندب بهما ميتا لها فوقعتا من قلبه فاستيقظ بهما ورجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة فانقطع إلى العبادة إلى أن مات رحمه الله فمن تاب قبل أن يغرغر فقد تاب من قريب فتقبل توبته وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: {يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء: 17] قال: قبل المرض والموت وهذا إشارة إلى أفضل أوقات التوبة وهو أن يبادر الإنسان بالتوبة في صحته قبل نزول المرض به حتى يتمكن حينئذ من العمل الصالح ولذلك قرن الله تعالى التوبة بالعمل الصالح في مواضع كثيرة من.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015