خرج الإمام أحمد والترمذي وابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" وقال الترمذي حديث حسن دل هذا الحديث على قبول توبة الله عز وجل لعبده ما دامت روحه في جسده لم تبلغ الحلقوم والتراقي وقد دل القرآن على مثل ذلك أيضا قال الله عز وجل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:17] وعمل السوء إذا انفرد يدخل فيه جميع السيئات صغيرها وكبيرها والمراد بالجهالة الإقدام على السوء وإن علم صاحبه أنه سوء فإن كل من عصى الله فهو جاهل وكل من أطاعه فهو عالم وبيانه من وجهين:
أحدهما: أن من كان علما بالله تعالى وعظمته وكبريائه وجلاله فإنه يهابه ويخشاه فلا يقع منه مع استحضار ذلك عصيانه كما قال بعضهم: لو تفكر الناس في عظمة الله تعالى ما عصوه وقال آخر: كفى بخشية الله علما وكفى بالإغترار بالله جهلا.
والثاني: أن من آثر المعصية على الطاعة فإنما حمله على ذلك جهله وظنه أنها تنفعه عاجلا باستعجال لذتها وإن كان عنده إيمان فهو يرجو التخلص من سوء عاقبتها بالتوبة في آخر عمره وهذا جهل محض فإنه تعجل الإثم والخزي ويفوته عز التقوى وثوابها ولذة الطاعة وقد يتمكن من التوبة بعد ذلك وقد يعاجله الموت بغتة فهو كجائع أكل طعاما مسموما لدفع جوعه الحاضر ورجا أن يتخلص من ضرره بشرب الذرياق بعده وهذا لا يفعله إلا جاهل وقد قال تعالى