وحياضا رواء فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم: ألم ألفكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني؟ قالوا: بلى قال: فإن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه وحياضا هي أروى من هذه فاتبعوني قال: فقالت طائفة: صدق والله لتتبعنه وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عله وقد خرجه ابن أبي الدنيا وغيره من الحسن مرسلا بسياق أبسط من هذا وفيه: إنهم لما رتعوا وسمنوا وأعجبهم المنزل صاح بهم فقال: ارتحلوا فإن هذه الروضة ذاهبة وإن هذا الماء غائر ذاهب وإن أمامكم روضة أعشب من هذه وماء أروى من هذا الماء فكره ذلك عامة الناس وقالوا: ما نريد بهذه بدلا وهم أكثر الناس وقال آخرون: والله إن آخر قوله كأوله ارتحلوا فأبوا فارتحل قوم فنجوا ولم يشعر الذين أقاموا حتى طرقهم العدو ليلا فأصبحوا بين أسير وقتيل.
الدنيا: خضراء الدمن ومعنى ذلك أن خضرتها نابتة على مزبلة منتنة يا دني الهمة قنعت بروضة على مزبلة والملك يدعوك إلى فردوسه الأعلى: {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38] أرضيتم بخرابات البلى في الفردوس الأعلى يا لها صفقة غبن أتقنع بخسائس الحشائش والرياض معشبة بين يديك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع" تقسيم لمن يأخذ المال على قسمين:
فأحدهما: يشبه حال آكلة الخضر وهو من أخذه بحقه ووضعه في حقه وذكر أنه نعم المعونة هو فإنه نعم العون لمن هذه صفته على الآخرة كما في حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نعم المال الصالح للرجل الصالح" وهو الذي يأخذ بحقه ويضعه في حقه فهذا يوصله ماله إلى الله عز وجل فمن أخذ من المال بحقه ما يقويه على طاعة الله ويستعين به عليها كان أخذه طاعة ونفقته طاعة وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك" وفي حديث آخر: "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت أهلك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة".
فما أخذ من الدنيا بنية التقوى على طلب الآخرة فهو داخل في قسم إرادة الآخرة والسعي لها لا في إرادة الدنيا والسعي لها قال الحسن: ليس من حب الدنيا طلبك ما يصلحك فيها ومن زهدك فيها ترك الحاجة يسدها عنك تركها،