خضرة حلوة فمن أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار" وفي المسند أيضا عن خولة بنت ثامر الأنصارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا خضرة حلوة وإن رجالا سيخوضون في مال الله بغير حق لهم النار يوم القيامة" وخرج البخاري من قوله: "إن رجالا" إلى آخره وفي المسند أيضا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذه الدنيا خضرة حلوة فمن آتيناه منها شيئا بطيب نفس أو طيب طعمة ولا إسراف بورك له فيه ومن آتيناه منها شيئا بغير طيب نفس منا وغير طعمة وإسراف منه لم يبارك له فيه" وفي المعنى أحاديث أخر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: " إن مما ينبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا أكلة الخضر" مثل آخر ضربه صلى الله عليه وسلم لزهرة الدنيا وبهجة منظرها وطيب نعيمها وحلاوته في النفوس فمثله كمثل نبات الربيع وهو المرعى الخضر الذي ينبت في زمان الربيع فإنه يعجب الدواب التي ترعى فيه وتستطيبه وتكثر من الأكل منه أكثر من قدر حاجتها لاستحلائها له فأما أن يقتلها فتهلك وتموت حبطا والحبط: انتفاخ البطن من كثرة الأكل أو يقارب قتلها ويلم به فتمرض منه مرضا مخوفا مقاربا للموت فهذا مثل من يأخذ من الدنيا بشره وجوع نفس من حيث لاحت له لا بقليل يقنع ولا بكثير يشبع ولا يحلل ولا يحرم بل الحلال عنده ما حل بيده وقدر عليه والحرام عنده ما منع منه وعجز عنه فهذا هو المتخوض في مال الله ورسوله فيما شاءت نفسه وليس له إلا النار يوم القيامة كما في حديث خولة المتقدم.

والمراد بمال الله ومال رسوله: الأموال التي يجب على ولاة الأمور حفظها وصرفها في طاعة الله ورسوله من أموال الفيء والغنائم ويتبع ذلك مال الخراج والجزية وكذا أموال الصدقات التي تصرف للفقراء والمساكين كمال الزكاة والوقف ونحو ذلك وفي هذا تنبيه على أن من تخوض من الدنيا في الأموال المحرم أكلها كمال الربا ومال الأيتام الذي من أكله أكل نارا والمغضوب والسرقة والغش في البيوع والخداع والمكر وجحد الأمانات والدعاوى الباطلة ونحوها من الحيل المحرمة أولى أن يتخوض صاحبها في نار جهنم غدا فكل هذه الأموال وما أشبهها يتوسع بها أهلها في الدنيا ويتلذذون بها ويتوصلون بها إلى لذات الدنيا وشهواتها ثم ينقلب ذلك بعد موتهم فيصير جمرا من جمر جهنم في بطونهم فما تفي لذتها بتبعها كما قيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015