وقد سمى الله تعالى المال خيرا في مواضع كثيرة من القرآن فقال تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] وقال: {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] وقال تعالى عن سليمان عليه السلام: {إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي} [صّ: 32] فلما سأله السائل: هل يأتي الخير بالشر صمت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظنوا أنه أوحي إليه والظاهر أن الأمر كان كذلك ويدل عليه أنه ورد في رواية لمسلم في هذا الحديث: "فأفاق يمسح عنه الرحضاء" ـ وهو العرق ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوحي إليه يتحدر منه مثل الجمان من العرق من شدة الوحي وثقله عليه وفي هذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سئل عن شيء لم يكن أوحي إليه فيه شيء انتظر الوحي فيه ولم يتكلم فيه بشيء حتى يوحى إليه فيه فلما نزل عليه جواب ما سئل عنه قال: "أين السائل؟ " قال: ها أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الخير لا يأتي إلا بالخير" وفي رواية لمسلم فقال: "أو خير هو؟ " وفي ذلك دليل على: أن المال ليس بخير على الإطلاق بل منه خير ومنه شر ثم ضرب مثل المال ومثل من يأخذه بحقه ويصرفه في حقه ومن يأخذه من غير حقه ويصرفه في غير حقه فالمال في حق الأول خير وفي حق الثاني شر فتبين بهذا أن المال ليس بخير مطلق بل هو خير مقيد فإن استعان به المؤمن على ما ينفعه في آخرته كان خيرا له وإلا كان شرا له فأما المال فقال: "إنه خضرة حلوة".

وقد وصف المال والدنيا بهذا الوصف في أحاديث كثيرة: ففي الصحيحين عن حكيم بن حزام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه ثم سأله فأعطاه ثم سأله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع" وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" واستخلافهم فيها هو ما أورثهم الله منها مما كان في أيدي الأمم من قبلهم كفارس والروم وحذرهم من فتنة الدنيا وفتنة النساء خصوصا فإن النساء أول ما ذكره الله من شهوات الدنيا ومتاعها في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 14] .

وفي المسند والترمذي عن خولة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن هذا المال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015