ما حرم الله من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق فهذا يجري على عوائده في ذلك كله لا على مقتضى الإيمان ومن عمل بمقتضى الإيمان صارت لذته في مصابرة نفسه عما تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكره الله منه وينفر منه وإن كان ملائما للنفوس كما قيل:
إن كان رضاكم في سهري ... فسلام الله على وسني
وقال آخر:
عذابه فيك عذاب ... وبعده فيك قرب
وأنت عندي كروحي ... بل أنت منها أحب
حسبي من الحب أني ... لما تحب أحب
الوجه الثاني: إن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله وترك لتناول الشهوات التي يستخفي بتناولها في العادة ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة وقيل: إنه ليس فيه رياء كذا قاله الإمام أحمد وغيره وفيه حديث مرفوع مرسل وهذا الوجه اختيار أبي عبيد وغيره وقد يرجع إلى الأول فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله عز وجل حيث لا يطلع عليه غير من أمره ونهاه دل على صحة إيمانه والله تعالى يحب من عباده أن يعاملوه سرا بينهم وبينه وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة وقال بعضهم: لما اطلع على بعض سرائره إنما كانت تطيب الحياة لما كانت المعاملة بيني وبينه سرا ثم دعا لنفسه بالموت فمات.
المحبون يغارون من اطلاع الأغيار على الأسرار التي بينهم وبين من يحبهم ويحبونه.
نسيم صبا تجد متى جئت حاملا ... تحيتهم فاطوا الحديث عن الركب
ولا تذع السر المصون فإنني ... أغار على ذكر الأحبة من صحبي
وقوله: "ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي": فيه إشارة إلى المعنى الذي ذكرناه وأن الصائم يقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنكاح وهذه أعظم شهوات النفس وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد: