مضى لم يؤرخ بليلته إنما أرخوا بليلة الأحد ويومها وهو الثاني عشر فلذلك قال ابن إسحاق توفي لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول والله أعلم.
واختلفوا في وقت دفنه فقيل: دفن من ساعته وفيه بعد وقيل: من ليلة الثلاثاء وقيل: ليلة الأربعاء.
ولما توفي صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون فمنهم من دهش فخربط ومنهم من أقعد فلم يطق القيام ومنهم من اعتقل لسانه فلم ينطق الكلام ومنهم من أنكر موته بالكلية وقال: إنما بعث إليه كما بعث إلى موسى وكان من هؤلاء عمر وبلغ الخبر أبا بكر فأقبل مسرعا حتى دخل بيت عائشة ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى فكشف عن وجهه الثوب وأكب عليه وقبل جبهته مرارا وهو يبكي وهو يقول: وانبياه واخليلاه واصفياه وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة التي كتب الله عليك فقد متها.
ثم دخل المسجد وعمر يكلم الناس وهم مجتمعون عليه فتكلم أبو بكر وتشهد وحمد الله فأقبل الناس إليه وتركوا عمر فقال: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية فاستيقن الناس كلهم بموته وكأنهم لم يسمعوا هذه الآية من قبل أن يتلوها أبو بكر فتلقاها الناس منه فما يسمع أحد إلا يتلوها وقالت فاطمة عليها السلام: يا أبتاه أجاب ربا دعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه يا أبتاه من ربه ما أدناه وعاشت بعده ستة أشهر فما ضحكت في تلك المدة وحق لها ذلك.
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... وإن كان من ليلى على الهجر طاويا
كل المصائب تهون عند هذه المصيبة.
في سنن ابن ماجه أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: "يا أيها الناس إن أحد من الناس أو المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي" قال أبو الجوزاء: كان الرجل من أهل المدينة إذا أصابته مصيبة جاء أخوه فصافحه ويقول: يا عبد الله اتق الله فإن في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة.
اصبر لكل مصيبة وتجلد ... واعلم بأن المرء غير مخلد