كرامة حتى أن نفس أحدهم لتنزع من بين جنبيه وهو يحب ذلك لما قد مثل له وفي المسند عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه ليهون علي الموت إني رأيت بياض كف عائشة في الجنة" وخرجه ابن سعد وغيره مرسلا انه قال صلى الله عليه وسلم: "لقد أريتها في الجنة ليهون بذلك علي موتي كأني أرى كفيها" يعني عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب عائشة رضي الله عنها حبا شديدا حتى لا يكاد يصبر عناه فمثلت له بين يديه في الجنة ليهون عليه موته فإن العيش إنما يطيب باجتماع الأحبة وقد سأله رجل: أي النساء أحب إليك؟ فقال: "عائشة" فقال له فمن الرجال؟ قال: "أبوها" ولهذا قال لها في ابتداء مرضه لما قالت: وارأساه: وددت أن ذلك كان وأنا حي فأصلي عليك وأدفنك فعظم ذلك عليها وظنت أنه يحب فراقها وإنما كان يريد تعجيلها بين يديه ليقرب اجتماعهما.
وقد كانت عائشة مضغت له صلى الله عليه وسلم سواكا وطيبته بريقها ثم دفعته إليه فاستن به أحسن استنان ثم ذهب يتناوله فضعفت يده عنه فسقط من يده فكانت عائشة تقول: جمع الله بي ريقي وريقه في أخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة والحديث مخرج في الصحيحين وفي حديث خرجه العقيلي أنه صلى الله عليه وسلم قال لها في مرضه: "ائتيني بسواك رطب امضغيه ثم ائتيني به أمضغه لكي يختلط ريقي بريقك لكي يوهن به عند الموت".
قال جعفر بن محمد عن أبيه لما بقي من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث نزل عليه جبريل عليه السلام فقال: يا أحمد إن الله قد أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك يقول لك: كيف تجدك؟ فقال: "أجدني يا جبريل مغموما وأجدني يا جبريل مكروبا" ثم أتاه في اليوم الثاني فقال له مثل ذلك ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك ثم استأذن فيه ملك الموت فقال جبريل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك قال: ائذن له فدخل ملك الموت فوقف بين يديه فقال: يا رسول الله يا أحمد إن الله أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك في كل ما تأمر إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها وإن أمرتني أن أتركها تركتها؟ قال: " وتفعل ذلك يا ملك الموت" قال: بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني به فقال جبريل: يا أحمد إن الله قد اشتاق إليك قال: فامض يا ملك الموت لما أمرت به فقال جبريل عليه السلام: السلام عليك يا رسول الله هذا آخر موطيء من الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا وجاءت التعزية يسمعون الصوت