لطائف المعارف (صفحة 46)

عناية المسلمين بالمسجد النبوي

المسلمون خلفاء وعامة اعتنوا عظيم العناية بهذا المسجد، فوسعه عثمان، وسعه من قبله عمر، ووسعه الوليد بن عبد الملك، حيث أمر عامله على المدينة عمر بن عبد العزيز أن يوسعه، وهو الذي أدخل فيه حجرات أمهات المؤمنين.

وفي هذا العهد الميمون دولة آل سعود أدام الله توفيقهم عني بالمسجد عناية عظيمة، فإذا جئت إلى المسجد الآن وخرجت منه من جهة الغرب، ستلحظ في الشمال الغربي قطعة أرض بها نخل وزرع غير مبنية، مع أن البناء عن يمينها وشمالها ومن جميع الجهات، إلا الجهة التي تستقبل بها هذا الموضع الحرم مكتوب عليها: سقيفة بني ساعدة، وبني ساعدة بطن من الخزرج، ينسبون إلى جد يقال له: ساعد، ولم يسكن المدينة، في هذه السقيفة بويع للصديق رضي الله تعالى عنه ورأضاه عندما اجتمع الأوس والخزرج بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وحضر الاجتماع بعد ذلك أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، ونجم عن ذلك الاجتماع المبارك مبايعة الصديق بالخلافة.

المقصود أن موضع سقيقة بني ساعدة باق لم يتغير إلى اليوم، وهو في الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوي الشريف، ثم إن التوسعة أوصلته إلى القبر الشريف، وإلا فالقبر ما وضع في المسجد، بمعنى أن الصحابة لم يدفنوا النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى يحتج علينا محتج فيقول: يجوز دفن الموتى في المساجد، أو يحتج علينا أنه يجوز أن نبني مسجداً على قبر، فهذا كله باطل، فلا يدفن أحد في مسجد، ولا يبنى مسجد على قبر، إنما غاية الأمر أن المسجد النبوي من جهة الشرق عمد الوليد إلى توسعته، فوصلت التوسعة إلى أن بلغت حجرات أمهات المؤمنين؛ لأنها كانت قريبة جداً من المسجد، ونحن نعلم أن الوليد لم يوفق في هذا، لكن هذا قد مضى بقدر الله، وليس فيه حجة لأحد أن يبني مسجداً على قبر أو أن يدفن ميتاً في مسجد، فهذا كله لا أصل له شرعاً، فالموتى يدفنون في المقابر، والمساجد تبنى على أرض فضاء ليس فيها مقابر، بل إن الصلاة في المقبرة لا تجوز، اللهم إلا أن تكون صلاة على ميت فيسن أن يصلى عليه فيها، كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبر المرأة العجوز التي كانت تقم المسجد.

فالصلاة في المسجد النبوي -كما سبق- بألف صلاة، لكن كذلك يذهب جمهور العلماء إلى أن الصلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة، وذلك في المسجد المحيط بالكعبة وفي أي مكان في مكة، فمساجد مكة سواء في الأجر، فمن صلى -عند جمهور العلماء- في أي مسجد من مساجد مكة كمسجد ذي جرول مثلاً فصلاته عند جمهور العلماء بمائة ألف صلاة، وذلك كمن صلى في المسجد الذي يحيط بالكعبة، وهو المعروف بالمسجد الحرام، في حين أن العلماء متفقون على أن الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، أما الصلاة في غير المسجد النبوي فليست إلا بسبع وعشرين درجة، شأنها شأن سائر الصلوات، وهذا من الفوارق بين مسجد المدينة ومسجد مكة.

أما الساحات المحيطة بالحرم فلأنها مسورة ولها أبواب فإن الصلاة فيها كالصلاة في المسجد.

هذا ما هيئ إيراده، وما أعان الله على قوله حول مسجد رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وفقنا الله وإياكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015