وبعد هذا الموافقة وهى ألا يجد الراحة فى المنع، بل يجد بدل هذا عند نسيم القرب زوائد الأنس بنسيان كلّ أرب، ونسيان وجود سبب أو عدم وجود سبب فكما أن حلاوة الطاعة تتصاغر عند برد الرضا- وأصحاب الرضا يعدون ذلك حجابا- فكذلك أهل الأنس بالله.. بنسيان كلّ فقد ووجد، وبالتغافل عن أحوالهم فى الوجود والعدم يعدون النزول إلى استلذاذ المنع، والاستقلال بلطائف الرضا نقصانا فى الحال.
ثم بعد هذا استيلاء سلطان الحقيقة فيؤخذ العبد عن جملته بالكلية، والعبارة عن هذه الحالة أنه يحدث الخمود والاستهلاك والوجود والاصطلام والفناء.. وأمثال هذا، وذلك هو عين التوحيد، فعند ذلك لا أنس ولا هيبة، ولا لذة ولا راحة، ولا وحشة ولا آفة.
هذا بيان ترتيبهم (?) . فأمّا ما دون ذلك فالخبر عن أحوال المتوكلين- على تباين شربهم- يختلف على حسب اختلاف محالّهم.
فيقال شرط التوكل أن يكون كالطفل فى المهد لا شىء من قبله إلا أن يرضعه من هو فى حضانته (?) .
ويقال التوكل زوال الاستشراف، وسقوط الطمع، وفراغ القلب من تعب الانتظار.
ويقال التوكل السكون عند مجارى الأقدار على اختلافها.
ويقال إذا وثق القلب يجريان القسمة لا يضره الكسب، ولا يقدح فى توكله (?) .
ويقال عوام المتوكلين إذا أعطوا شكروا، وإذا منعوا صبروا. وخواصّهم إذا أعطوا آثروا، وإذا منعوا شكروا.