نزيل الأندلس.
قال ابن بشكوال: متهم بالكذب. انتهى.
وكان عالما باللغة شاعرا محسنا تمكن من المنصور بن أبي عامر صاحب الأندلس إلى أن غلب عليه.
مات في سنة 417 عن سن عالية.
وهو من الرواة للحديث النبوي وإنما اتهم في اللغة وقد طالعت كتاب الفصوص له فذكر في أوائله أنه لزم في حداثته أبا سعيد السيرافي وأبا علي الفارسي حتى استظهر كتب اللغة.
قال: فأزلفني ذلك إلى الملوك حتى ولاني عبد العزيز بن يوسف خزانة كتبه فأصبت فيها خطوط العلماء وأصولهم التي استأثروا بها لأنفسهم دون الناس إذ لا بد لكل عالم من أثيرة ومجموعة لخاصته غير ما يذيعها للطلبة عنده.
وحدث في هذا الكتاب، عَن أبي بكر بن إبراهيم بن شاذان، وَأبي بكر بن مالك القطيعي -[273]-
وأبي عمر بن محمد الأزرق والحسين بن المنذر الأصبهاني قاضي حصن مهدي، وَأبي الفتح المراغي، وَأبي جعفر محمد بن عيسى الترجماني المقرىء بالكرخ، وَغيرهم.
ومن مناكير ما أتى به فيه من الحكايات أنه قال: كابرني في الحفظ ذات يوم بحضرة فناخسرو أبي شجاع، يعني عضد الدولة - رجل يعرف بقرموطة وكان حفظة للغة وكان بين يديه في النوبة فرس كان يسميه السماك فقلت: أحفظنا للغة من قام إلى هذا الفرس فجعل أصبعه على كل عضو منه ومفصل سماه من أسفله إلى أعلاه وسمته ذلك فجبن عنه فأمرني أبو شجاع بذلك ففعلت فازددت عنده حظوة.
قلت: وهذه الحكاية مشهورة للأصمعي مع أبي عبيدة.
وحكى فيه، عَن أبي سعيد عن الأخفش عن ثعلب، عَنِ ابن الأعرابي قال: كان يغشى مجلسي أبو محلم فيقعد حجرة من المسجد لا يتكلم وينصرف آخر النهار فلما طال ذلك قلت له: ما أراك يا فتى تحظى من مجلسنا هذا بشيء ولك تغشانا أشهرا؟ قال: يا أبا عبد الله ما يغيب عن حفظي مما يجرى شيء قلت: أعد علي منه شيئا قال: فأخذ يعيد علي أوائل المجالس من أول حضوره إلى حيث انتهى به اليوم وكثر عجبي من ذلك فقلت: روي عن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: يولد في رأس كل أربعين سنة من يحفظ كل شيء يسمعه. وأراك ذاك قال: أنا ذاك.
قلت: وهذا الحديث لا أصل له وإنما ذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" من كلام الزهري ولم يصح أيضًا، عَن الزُّهْرِيّ فإنه ذكره في ترجمة الوليد بن عُبَيد الله فقال: روى عمار بن رجاء، عَن مُحَمد بن بشير بن مروان الكندي عن الوليد بن عُبَيد الله، عَن الزُّهْرِيّ أنه قال: لا يولد الحافظ إلا في كل أربعين سنة، ومُحمد بن بشير المذكور ضعيف. -[274]-
ومن عجائب صاعد التي يستدل بها على مجازفاته أنه قال في هذا الكتاب: حدثنا أبو علي التنوخي حدثني أبي , حَدَّثَنا علي بن خلاد الرامهرمزي حدثني أبو علي الحصيني بالبصرة قال: كان في جيراني طفيلي وكان يرتصد خروجي كل يوم فإذا دعيت إلى مدعاة صنيع ركب بركوبي فأكرم من أجلي وأجلس إلى جانبي.
فضاق صدري من ذلك واستحييت أن أقابله بشيء منه حتى عمل علي بن سليمان الهاشمي أمير البصرة صنيعا دعاني فيه فقلت: والله لئن وافى الطفيلي على عادته لأخزينه فلم يلبث أن ركب بركوبي ونزل معي.
فلما تمكن الناس ورفع عليهم الطعام قلت رافعا صوتي في الملأ: حدثنا فلان عن فلان عن نافع، عَنِ ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من حضر طعاما لم يدع إليه مشى فاسقا وأكل حراما.
فلم أستتم كلامي حتى قال الطفيلي: يا أبا علي لقد تحجرت واسعا وأبديت على هذا الطعام جشعا وأنغصت عليه أكيلا كأنك طاوي سنة أو أن هذا الطعام كله لا يشبعك ولقد نسبت الأمير إلى البخل على طعامه وهو يود أن يحضر طعامه الإنس والجن ثم إنه ليس في المجلس أحد إلا ويظن أنك رميته بهذا الحديث حتى كأنك القائل:
لا أشتم الضيف إلا أن أقول له ... أباتك الله في أبيات عمار
جلد الندى زاهد في كل مكرمة ... كأنما جلده في ملة النار
ثم إنك تأتي إلى أشرف مدعاة وأعظم محفل ثم تروي عن فلان - وقد -[275]-
حد على الزنا - عن نافع - وكان ضعيف العقل - عن ابن عمر - وهو لم يحسن أن يطلق امرأته - وتركت حديث شُعبة، عَن قتادة، عَن أَنس رضي الله عنه طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفى الأربعة!؟.
واسترسل صاعد في هذه الحكاية قدر ورقتين وساق فيها عدة مقاطيع شعر. وقال في آخرها: إن الأمير علي بن علي سليمان الهاشمي قال للطفيلي: يا سيدي مثلك لا يكون طفيليا بل الطفيلي من تأكل أنت طعامه ... إلى غير ذلك من الهذر.
والحكاية المذكورة معروفة لنصر بن علي الجهضمي قد ذكرها الخطيب، وَغيره بالسند الصحيح إليه والحديث عنده عن درست بن زياد عن أبان بن طارق.
ثم ما استحيى صاعد أن ينسب الكلام المروي، عَن عَلِيّ بن الجعد في حق ابن عمر إلى هذا الطفيلي ومن تدبر الحكاية علم أنها ملفقة وأحسن أمره عندي أنه كان يكتب من حفظه ويتساهل.
وقد ذكر الحميدي في ترجمته أنه كان أصله من الموصل وأنه دخل الأندلس في أيام المنصور بن أبي عامر في حدود الثمانين وثلاث مِئَة وكان عالما باللغة والأدب طيب المعاشرة فكه المجالسة فأكرمه المنصور.
وروى عنه من القدماء أبو محمد بن حزم وأبو مروان بن حيان، وَغيرهما.
وقال الحميدي: كان المنصور كثيرا ما يستغرب الألفاظ ويسأل صاعدا عنها فيجيب في الحال وفي بعض يظهر صدقه فمن ذلك أن عاملا للمنصور يسمى مبرمان بن يزيد كتب إليه يذكر القلب والتزبيل وهما أمران يتعلقان -[276]-
بإصلاح الأرض عند إرادة زراعتها فقال له: يا أبا العلاء هل تعرف كتاب القوالب والزوابل لمبرمان بن يزيد قال: إي والله يا مولاي رأيته ببغداد في نسخة لأبي بكر بن دريد بخط كأكارع النمل.
فقال له: أما تستحيي من هذا الكذب هذا كتاب عاملي. فجعل يحلف أنه ما كذب.
وقدم إليه طبق تمر فقال له: ما هو التمركل قال: تمركل الرجل تمركلا إذا التف في كسائه.
قال: ويحكى عنه من هذا أشياء.
وأرخ وفاته في سنة سبع عشرة وأربع مِئَة بصقلية.