قيل: اسمه علي بن محمد بن العباس , نفاه الوزير المهلبي لسوء عقيدته وكان يتفلسف.
قال ابن بابي في كتاب الفريدة: كان أبو حيان كذابا قليل الدين والورع مجاهرا بالبهت تعرض لأمور جسام من القدح في الشريعة والقول بالتعطيل.
وقال ابن الجوزي: كان زنديقا.
قلت: بقي إلى حدود الأربع مِئَة ببلاد فارس وكان صاحب زندقة وانحلال. -[56]-
قال جعفر بن يحيى الحكاك: قال لي أبو نصر السجزي: إنه سمع أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة المنسوبة إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي على أبي حيان فقال: هذه الرسالة عملتها ردا على الروافض وسببه أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء، يعني الصاحب ابن العميد - فكانوا يغلون في حال علي فعملت هذه الرسالة.
قلت: فقد اعترف بالوضع. انتهى.
وقرأت بخط القاضي عز الدين بن جماعة أنه نقل من خط ابن الصلاح أنه وقف لبعض العلماء على كلام يتعلق بهذه الرسالة ملخصه: لم أزل أرى أبا حيان علي بن محمد التوحيدي معدودا في زمرة أهل الفضل موصوفا بالنفاذ في الجد والهزل حتى صنع رسالة منسوبة إلى أبي بكر وعمر راسلا بها عَلِيًّا وقصد بذلك الطعن على الصدر الأول فنسب فيها أبا بكر وعمر إلى أمر لو ثبت لاستحقا فوق ما تعتقده الإمامية فيهما.
فأول ما نبه على افتعاله في ذلك: نسبته إلى أبي بكر إنشاء خطبة بليغة يتملق فيها لأبي عبيدة ليحمل له رسالته إلى علي وغفل عن أن القوم كانوا بمعزل عن التملق.
ومنها قوله: ولعمري إنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ولكنا أقرب إليه قربة والقرابة لحم ودم والقربة نفس وروح.
وهذا يشبه كلام الفلاسفة وسخافة هذه الألفاظ تغني عن تكلف الرد.
وقال فيها: إن عمر قال لعلي فيما خاطبه به: إنك اعتزلت تنتظر وحيا من جهة الله وتتوكف مناجاة المَلَك.
وهذا الكلام لا يجوز نسبته إلى عمر فإنه ظاهر الافتعال.
إلى غير ذلك مما تضمنته الرسالة من عدم الجزالة التي تعرف من طراز كلام السلف. -[57]-
وقال ابن النجار في الذيل: كان فاضلا لغويا نحويا شاعرا له مصنفات حسنة وكان فقيرا صابرا متدينا حسن العقيدة سمع أبا بكر الشافعي وأبا سعيد السيرافي والقاضي أبا الفرج المعافى وأبا الحسين بن سمعون، وَغيرهم.
ومن شعره:
قل لبدر الدجى وبحر السماحه ... والذي راحتاه للناس راحه
ما تركت الحضور سهوا ولكن ... أنت بحر ولست أدري السباحه
وقال أبو سعد المطرز: سمعت فارس بن بكران الشيرازي يقول: وكان من أصحاب أبي حيان التوحيدي قال: لما احتضر أبو حيان كان بين يديه جماعة فقالوا: اذكر الله فإن هذا مقام خوف وكل يسعى لهذه الساعة وجعلوا يذكرونه ويعظونه فرفع رأسه إليهم وقال: كأني أقدم على جندي، أو على شرطي إنما أقدم على رب غفور , وقضى.
ورأيت في ترجمة نصر بن عبد العزيز الشيرازي في "طبقات القراء": أنه كان ينفرد، عَن أبي حيان التوحيدي بنكت عجيبة.
وقد ذكر في الفقهاء الشافعية وحكى عنه الرافعي في مسألة الربا في الزعفران أنه حكى، عَن أبي حامد المروذي: أنه لا يجري فيه الربا وهو كثير النقل في مصنفاته، عَن أبي حامد من المسائل الفقهية، وَغيرها.
قلت: وقد وقفت على "مثالب الوزيرين" لأبي حيان التوحيدي والمراد بهما أبو الفضل بن العميد وأبو القاسم بن عباد , وذكر أن سبب تصنيفها أنه وفد على ابن عباد فاتخذه ناسخا وأنه خيب أمله بعد مدة مقامه عنده نحوا من أربع سنين ورحل عنه خائبا. -[58]-
فمما استنكرته من كلامه في هذا الكتاب: أنه حكى عن المأمون أنه قال لأبي العتاهية: إذ قال الله لعبده لِمَ لَمْ تطعني ما يجيب؟ قال: يقول: لو وفقتني لأطعتك , قال: فيقول: لو أطعتني لوفقتك , فيقول العبد: أيكون ما يحتاج إليه العبد نسيئة! وما يطالب الرب نقدا!.
ووقفت له على رسالة في تقريظ الجاحظ أفرط في مدحه فيها وقال في كتاب الوزيرين: كان الجاحظ واحد الدنيا وقال في حق ابن العميد، وَابن عباد: لو قلت فيهما: كانا بالسياسة عالمين ولأولياء نعمتيهما ناصحين إلى أن قال: فأراهما لو تَنَبَّآ لنزل الوحي عليهما ولجدد بهما الشرع وسقط لمكانهما الاختلاف. واستمر في هذا المعنى وهو دال على قلة توفيقه وعلى إقدامه على إطلاق ما لا يليق.
ورأيت له في تصانيفه تحريفات منها: أنه قال في الحديث المشهور: "حبب إلي من دنياكم ثلاث" جزم بزيادة ثلاث لكن لم ينفرد بذلك.
وقال في حديث: "لَيُّ الوَاجِدِ ظُلم , يُحل عرضه وعقوبته" فزاد لفظ: "ظلم" ولم ينفرد بها أيضًا.
وذكر في كتاب الوزيرين أنه فارق ابن عباد سنة سبعين وثلاث مِئَة راجعا إلى بغداد بغير زاد، وَلا راحلة , قال: ولم يعطني في مدة ثلاث سنين درهما واحدا، وَلا ما قيمته درهم واحد. قال: فلما وقع لي هذا أخذت أتلافى ذلك بصدق القول في سوء الثناء والبادي أظلم.
وقرأت في كتاب فلك المعاني للشريف أبي يعلى ما نصه: كان أبو حيان التوحيدي من شيراز وهو شيخ الصوفية وأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء وإمام البلغاء وزاهدهم ومحققهم ثم قال سيدي الشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف على الشيرازي: أنشدنا أبو حيان التوحيدي بشيراز بعد عوده من بغداد , فذكر شعرا من إنشاد ثعلب.