اختلف سلف الإسلام في الذبيح، فقالت اليهود والنصارى: الذبيح إسحاق عليه السلام. وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الذبيح كان إسحاق. وروي أيضاً عن جماعة من الصحابة أن الذبيح كان إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام. وروى عمر بن الخطاب ذلك، وإليه ذهب كعب الأحبار، وسعيد بن جبير، ومسروق بن الأخدع، وأبو الهذيل، والزهري والسدي.
وقيل: إن يعقوب كتب إلى يوسف عليهما السلام أما جدي إبراهيم، فقد ابتلاه الله بالنار، ثم صيرها عليه برداً وسلاماً. وأما أبي، فابتلاه الله بالذبح، ثم فداه بذبح عظيم.
وقال يوسف في مصر حين عرضه النخاس على الناس وقال: من الذي يشتري غلاماً صبيحاً عالماً: لا تقل هذا وقل من يشتري يوسف الصديق ابن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله.
وقال عبد الله بن عمر، وعامر بن واثلة، وسعيد بن المسيب، والشعبي، ومجاهد: إن الذبيح إسماعيل.
وكان الشعبي يقول: رأيت قرن الكبش الذي كان فدا إسماعيل معلقاً من الكعبة، ثم أحرق البيت وما فيه الحجاج بن يوسف في أيام خلافة عبد الله بن الزبير. وروى عمر بن عبيد عن الحسن البصري أنه قال: لا يشك في أن الذبيح هو إسماعيل. وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح. وروى عبد الله بن عباس أن الذبيح إسماعيل، وقال: إن اليهود حرفوا ذلك حسداً، ونقلوا الذبيح إلى إسحاق. وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قد روي حديث يدل على أن الذبيح إسماعيل. أما الحديث الأول، فالحديث الذي رواه العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الذبيح إسحاق. والحديث الآخر ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين عنى به إسماعيل عليه السلام وعبد الله.
وقال قوم: إن جد المصطفى عليه السلام هو إسحاق لا إسماعيل؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله ذكر أنسابه إلى معد بن عدنان ووقف، وقال عليه السلام: كذب النسابون بعد ذلك.
واتفق أكثر العلماء على أن إسماعيل بن إبراهيم هو جد النبي صلى الله عليه وآله، وهو الذي أعان إبراهيم عليه السلام على بناء الكعبة، قال الله تعالى " وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل - إلى قوله - ومن ذريتنا أمةً مسلمةً لك " إلى آخر الآية.
وقيل: إن عبد المطلب لما حفر زمزم قال: إن سهل الله علي حفر زمز علي ذبح أحد أولادي، فخرج السهم على عبد الله، فمنعه أخواله وقالوا: أفد ابنك بمائة من الإبل، وفي ذلك روايات مختلفة، والله أعلم.
وذكر زبير قاضي مكة أن يزيد بن معاوية حج بالناس سنة خمسين من الهجرة، وحج بالناس عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس سنة خمسين ومائة، وبين الوقتين مائة عام، وهما في القعدد بعبد مناف سوى، والقعدد القليل الآباء إلى الجد الأكبر. يقال: قعدد وقعدد بفتح الدال وضمها.
وبيان ذلك: أن عبد الصمد هو عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وبين موت يزيد وموت عبد الصمد مائة سنة، والأب السادس لعبد الصمد هو عبد مناف، وكذلك الأب السادس ليزيد عبد مناف، والنسابون يقولون بهذه الوراثة بالقعدد. وهذا أصل في معرفة علم الأنساب والسلام.
فصل
قال الله تعالى في سورة النساء " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام ".
قوله " خلقكم من نفس واحدة " أي: من آدم عليه السلام وبث منهما أي: أظهر البشر من آدم وحواء عليهما السلام.
قال أكثر المفسرين: أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها. وهذا عام ودليل على أنه لا يجوز قطع رحم النبي صلى الله عليه وآله.
قال الإمام علي بن أحمد الواحدي، فيما حدثني به الإمام محمد بن الفضل الفزاري عنه: اتقوا الله الذي تسائلون فيما بينكم حوائجكم وحقوقكم به، فيقولون: أسألك بالله وأنشدك الله. وكذا كانت العرب تقول.
قال أكثر المفسرين: والأرحام عطف على اسم الله في قوله تعالى واتقوا الله والمعنى: اتقوا الأرحام فصلوها ولا تقطعوها.