ولن يهلك الانسانُ إلا إذا أتى ... من الأمر [ما لم يرضهُ نُصَحَاؤهُ] «1»
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حياؤهُ ... ولا خيرَ في وجه إذا قلَّ ماؤُهُ
ثم قال: يا بني، قد جمعت لك مصالح نفسك، فاستفتح الله بمسامع عقلك؛ وتفهَّم ما وصفت لك بالتجارب، تحُزْ «2» صلاح العواقب.
واعلم أن من حاسب نفسه تورَّعْ، ومن غفل عنها خسر، ومن نظر في العواقب نجا، ومن اعتبر أبصر، ومن فهم علم؛ وفي التواني تكون الهلكة، وفي التأني السلامة. وزارع البر يحصد السرور. والقليل مع القناعة في القصد، خير من الكثير مع السرف في المذلة. والتقوى نجاة، والطاعة ملك؛ وحليف الصدق موفق، وصاحب الكذب مخذول؛ وصديق الجاهل تعب، ونديم العاقل مغتبط. فإذا جهلت فسلْ، وإذا ندمت فأقلع، وإذا غضبت فأمسك. ومن لاقاك بالبشر فقد أدّى إليك الصنيعة، ومن أقرضك الثناء فاقضِهِ الفضل.
وضع- يا بني- الصنائع عند الكرام ذوي الأحساب، ولا تضعَنَّ معروفك عند اللئام فتضيعه، فإن الكريم يشكرك ويرصدك بالمكافأة، وإن اللئيم يحسب ذلك حتماً، ويؤول أمرك معه إلى المذلة. وقد قال الشاعر:
إذا أوليتَ معروفاً لئيماً ... فعدَّك قد قتلتَ له قتيلا
فعُدْ- من ذاك- معتدراً إليه ... وقلْ: «إني أتيتك مستقيلا
فإن تغفر فمجترمٌ عظيمٌ ... وإن عاقبت لم تظلم فتيلا»
وإن أوليت ذلك ذا وفاءٍ ... فقد أودعته شكراً طويلا