وأما الخبرُ المرويُّ: ((إن الله يحبُّ كلَّ قلب حزين)) فلا يُعرف إسنادُه، ولا مَن رواه ولا نعلم صِحَّتَهُ. وكيف يكونُ هذا صحيحاً، وقد جاءت الملَّةُ بخلافِهِ، والشرعُ بنقْضِهِ؟! وعلى تقديرِ صحتِهِ: فالحزنُ مصيبةٌ من المصائبِ التي يبتلي اللهُ بها عَبْدَهُ، فإذا ابتُلي به العبدُ فصيرَ عليهِ أحبَّ صبرَه على بلائِهِ. والذين مدحوا الحزنَ وأشادوا بهِ ونسبُوا إلى الشرعِ الأمر به وتحبيذهُ؛ أخطؤوا في ذلك؛ بلْ ما ورد إلاَّ النهيَّ عنهُ، والأمرُ بضدِّه، من الفرحِ برحمةِ اللهِ تعالى وبفضلهِ، وبما أنزل على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، والسرورِ بهدايةِ اللهِ، والانشراحِ بهذا الخيرِ المباركِ الذي نَزَلَ من السماءِ على قلوبِ الأولياءِ.
وأما الأثَرُ الآخَرُ: ((إذا أحبَّ اللهُ عبداً نَصَبَ في قلْبِهِ نائحةً، وإذا أبغض عبداً جعلَ في قلبه مِزْماراً)) . فأثر إسرائيليٌّ، قيل: إنه في التوراة. وله معنى صحيحٌ، فإنَّ المؤمنَ حزينٌ على ذنوبهِ، والفاجرُ لاهٍ لاعبٌ، مترنِّمٌ فَرِحٌ. وإذا حصَلَ كسْرٌ في قلوبِ الصالحينَ فإنما هو لمِا فاتَهُم من الخيراتِ، وقصّروا فيهِ من بلوغِ الدرجاتِ، وارتكبوهُ من السيئاتِ. خلاف حزنِ العُصاةِ، فإنَّهُ على فوتِ الدنيا وشهواتِها وملاذِّها ومكاسبِها وأغراضِها، فهمُّهُمْ وغمُّهُمْ وحزنُهُمْ لها، ومن أجلِها وفي سبيلِها.
وأما قولُه تعالى عن نبيِّهِ ((إسرائيل)) : {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} : فهو إخبارٌ عن حالهِ بمصابِه بفقْدِ وِلدِهِ وحبيبِهِ، وأنه ابتلاهُ بذلك كما ابتلاهُ بالتفريق بينَهُ وبينَهُ. ومجرد الإخبارِ عن الشيءِ لا يدلُّ على استحسانِ هـ ولا على الأمرِ به ولا الحثِّ عليه، بل أمرنا أنْ نستعيذَ باللهِ من الحزنِ، فإنَّهُ سَحَابَةٌ ثقيلةٌ وليل جاِثمٌ طويلٌ، وعائقٌ في طريقِ السائرِ إلى معالي الأمور.