والحزنُ تكديرٌ للحياةِ وتنغيصٌ للعيشِ، وهو مصلٌ سامٌّ للروحِ، يورثُها الفتور والنكَّدَ والحيْرَة، ويصيبُها بوجومٍ قاتمٍ متذبِّلٍ أمام الجمالِ، فتهوي عند الحُسْنِ، وتنطفئُ عند مباهج الحياةِ، فتحتسي كأسَ الشؤم والحسرةِ والألمِ.
ولكنَّ نزول منزلتِهِ ضروريٌ بحسبِ الواقعِ، ولهذا يقولُ أهلُ الجنةِ إذا دخلوها: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} فهذا يدلُّ على أنهمْ كان يصيبُهم في الدنيا الحزنُ، كما يصيبهُم سائرُ المصائبِ التي تجري عليهم بغيرِ اختيارِهم. فإذا حلَّ الحُزْنُ وليس للنفسِ فيه حيلةٌ، وليس لها في استجلابهِ سبيلٌ فهي مأجورةٌ على ما أصابها؛ لأنه نوْعٌ من المصائبِ فعلى العبدِ أنْ يدافعه إذا نزل بالأدعيةِ والوسائلِ الحيَّةِ الكفيلةِ بطردِه.
وأما قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ} .
فلمْ يُمدحوا على نفسِ الحزنِ، وإنما مُدحوا على ما دلَّ عليه الحزنُ من قوةِ إيمانِهم، حيث تخلَّفوا عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لِعجزِهم عن النفقِة ففيهِ تعريضٌ بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلُّفهم، بل غَبَطُوا نفوسهم به.
فإن الحُزْن المحمود إنْ حُمِدَ بَعْدَ وقوعِهِ - وهو ما كان سببُه فوْت طاعةٍ، أو وقوع معصيةٍ - فإنَّ حُزْنَ العبدِ على تقصيرِهِ مع ربّه وتفريطِهِ في جَنْبِ مولاه: دليلٌ على حياتهِ وقبُولِهِ الهدايةَ، ونورِهِ واهتدائِهِ.