يرضى عن ربِّه وقد ظهر حِلْفٌ كافرٌ ضدَّه من المنافقين واليهود والمشركين، فيقف صامداً متوكِّلاً على اللهِ، مفوِّضاً الأمر إليه.
وجزاءُ هذا الرضا منه - صلى الله عليه وسلم -: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} .
أُخرج محمدٌ المعصومُ - صلى الله عليه وسلم - من مكة حيث أهلُه وأبناؤه ودارُه ووطنُه، طُردُ طرداً وشًرِّد تشريداً، والتجأ إلى الطائفِ فقُوبل بالتكذيبِ وجُوبِه بالجحودِ، وتهاوتْ عليه الحجارةُ والأذى والسُّ والشتمُ.
فعيناه بدموع الأسى تكِفانِ وقدماه بدماءِ الطهرِ تنزفانِ، وقلبُه بمرارةِ المصيبة يَلْعَجُ، فإلى من يلتجئ؟ ومن يسألُ؟ وإلى من يشكو؟ وإلى من يقصدُ؟ إلى اللهِ إلى القويِّ إلى القهارِ، إلى العزيزِ، إلى الناصرِ.
استقبل محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - القبلة، وقصد ربَّ، وشكر مولاه، وتدفَّق لسانهُ بعباراتِ الشكوى وصادقِ النجوى وأحرِّ الطلبِ، ودعا وألحَّ وبكى، وشكا وتظلَّم وتألَّم.
المآقي من الخطوبِ بكاءُ ... والمآسي على الخدودِ ظِماءُ
وشفاهُ الأيامِ تلثمُ وجهاً ... نَحَتَتْهُ الرعودُ والأنواءُ
اسمع سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - مولاهُ وإلهه ليلة نخلة، إذْ يقول: ((اللهم إني أشكو إليك ضعْف قوتي وقِلَّة حيلتِي وهواني على الناسِ، أنت أرحمُ الراحمين،