فيؤثرُ في جنبِه، وتمرُّ ثلاثةُ أيام لا يجدُ شيئاً يأكلُه، ومع ذلك كان راضياً عن اللهِ ربِّ العالمين {تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً} .
ورضي عن ربِّه وقت المجابهةِ الأولى، يوم وقَفَ هو في حزبِ اللهِ، ووقفتِ الدنيا - كلُّ الدنيا - تحاربُه بخيلِها ورجِلها، بغناها بزخرفِها، بزهوِها بخيلائها، فكان راضياً عن اللهِ. رضي عنِ اللهِ في الفترةِ الحرجةِ، يوم مات عمُّه وماتت زوجتٌه خديجةُ، وأُوذي أشدَّ الأذى، وكُذب أشدَّ التكذيبِ، وخُدشتُ كرامتُه، ورُمي في صِدْقِهِ، فقيل له: كذَّابٌ، وساحرٌ، وكاهنٌ، ومجنونٌ، وشاعرٌ.
ورضي يوم طُرِد من بلدِه، ومسقطِ رأسهِ، فيها مراتعُ صباه، وملاعبُ طفولتِه، وأفانينُ شبابِه، فيلتفتُ إلى مكة وتسيلُ دموعُه، ويقول: ((إنكِ أحبُّ بلادِ اللهِ إليَّ، ولولا أنَّ أهلك أخرجوني منك ما خرجتُ)) .
ورضي عن اللهِ وهو يذهبُ إلى الطائفِ ليعرِض دعوته، فيُواجه بأقبحِ ردٍّ، وبأسوأِ استقبالٍ، ويُرمى بالحجارةِ حتى تسيل قدماه، فيرضى عن مولاه.
ويرضى عن اللهِ وهو يخرج من مكة مرغماً، فيسير إلى المدينة ويُطاردُ بالخيلِ، وتُوضعُ العراقيلُ في طريقِه أينما ذهب.
يرضى عن ربه في كلِّ موطنٍ، وفي كل مكانٍ، وفي كل زمنٍ.
يحضر أُحُداً - صلى الله عليه وسلم - فيُشجّ رأسُه، وتُكسرُ ثنيتُه، ويُقتلُ عمُّه، ويُذبحُ أصحابهُ، ويُغلبُ جيشُه، فيقول: ((صُفُّوا ورائي لأُثني على ربي)) .